هذا المجرم الذي تحتضنه منازلنا هو (الاسيد) المستخدم لتنظيف المراحيض هذا المركب الكيمائي حول حياة عدد من الافراد والاسر في المملكة الى جحيم, والغالبية منا تجاهل الخطر الكامن من حيث استخدامه, وزاد من الخطر ذلك التحذير المدون على علبة (الاسيد) باللغة الانجليزية واللغة العربية والذي يفتقد الى المصداقية حيث ترجمة التحذير الى العربية ترجمة مزيفة وليست هي ذاتها بالانجليزية وهذا ما اكده لنا استشاري جراحة التجميل والحروق الدكتور عبدالله الثنيان بعد ان قرأ علينا التحذير المدون على علبة (داك) الخاصة بتسليك (البالوعات).



المأساة الاولى



هذه حكاية رجل سبعيني قصد وجه الله لادء الصلاة فكان ان ذهب اولا للحمام للوضوء وهو رجل ضعيف البصر فوجد وعاء به مادة ظنها ماء فاستعملها فحلت به الكارثة حيث جاء الاسيد على اعضائه التناسلية ونقل لوحدة الحروق بمدينة الملك عبدالعزيز الطبية وقرر الاطباء بتر كامل الاعضاء.. زرنا الشيخ المسن في غرفته ووجدناه يتأوه من آلامه وبرفقته ابنه رضوان العنزي الذي وصف حال والده بالمحزن والمؤلم وقال: (الحمد لله على كل حال.. هذا قضاء الله وقدره وحدث ما حدث بسبب اننـا انتقلنا من منزل الى منزل آخر واراد الاهل تنظيف دورات المياه بالاسيد وبقي جزء منه في وعاء داخل دورة المياه ووالدي بصره ضعيف فذهب للوضوء ولم يجد الماء قريباً منه فظن ان ما في الوعاء هوالماء وكانت الكارثة).

ودعا العنزي كافة افراد المجتمع وبخاصة النساء في المنازل الى اخذ الحيطة والحذر من هذا المنظف الفتاك وابعاده عن متناول الاطفال.



المأساة الثانية



شابة تزوجت حديثا وبعد زواجها بأسبوع واحد فقط ارادت تنظيف دورات المياه في منزلها واستخدمت مادة (الاسيد) فوصل نتيجة تفاعله مع المياه الى وجهها وتعرضت لحروق من الدرجة الثالثة وتشوه وجهها ونقلت لوحدة الحروق وتتلقى العلاج منذ حوالي (21 يوما) وهذا العلاج ليس علاجا تجميليا بل هو ترميم واغلاق للجروح لان الحروق من الدرجة الثالثة لا يمكن اعادة الجلد الى سابق عهده بأي حال من الاحوال.

هذه الشابة لا زالت تعاني وطأة الالم ومعاناة فقدانها نضارة وجهها.



المأساة الثالثة



سعود طفل عمره سنة وتسعة اشهر تناول علبة (الاسيد) في مستودع المنزل واراد ان يشرب منها وعندما احس بحرارة المادة رمى بالعلبة على الارض فوصل الاسيد الى رجليه وظل يقوم ويقعد على الاسيد وهو يصرخ وتعرض لحروق من الدرجة الثالثة في الرجلين وآثار حروق في اليدين.

ام سعود ترافق صغيرها منذ شهر وصفت لنا ما حدث وقالت: (الحمد لله ان الاضرار التي تعرض لها ابني لم تصل الى اكثر من ذلك ولم اكن اتوقع ان يحدث له مثل ذلك لكن هذه الحادثة ستجعلني اكثر حرصا لابعاد كل ما يمكن ان يضر بحياة ابنائي).

ام سعود ذكرت ان لها ثلاثة اطفال اضافة الى سعود وهم سيف اصغر من سعود واثير ومنيرة اكبر من اخيها سعود وهي تغيب عنهم منذ شهر من اجل البقاء مع صغيرها في وحدة الحروق.

واكدت انها كغيرها من الامهات كن يعتقدن في السابق ان مثل هذه المنظفات ليست بذلك الخطر المتوقع وذلك بسبب جهلهن وجهل المجتمع بشكل عام بخطورة مثل هذا (الاسيد).



المأساة الرابعة



كان الشاب الصغير صالح عادل آل حيدر فوق سطح المنزل وبيده قطعة حديدية ولامست احد الاسلاك الكهربائية المكشوفة ما ادى الى احتراق ذراعيه ووقوعه من السطح للاسفل ولا زال يتلقى العلاج حتى الآن.

قال والده عادل آل حيدر: (تعرض صالح لحروق في العضلات والاعصاب في اليدين واجريت له ثلاث عمليات).

وتحدث آل حيدري عن المآسي التي شاهدها في وحدة الحروق وهاله الخطر الكبير جراء استخدام (الاسيد) الذي اوقع عدداً من الضحايا حيث قضى ابنه صالح حوالي شهرين وشاهد خلال زيارته لابنه ومرافقته في الوحدة عدداً من الضحايا نتيجة استخدام منظفات المراحيض (الاسيد) مشيرا الى ان هذه المشاهد انعكست على اسرته في المنزل حيث اصبحوا حذرين من استخدامه لدرجة كبيرة.

(عكاظ) بعد سلسلة من المشاهدات المرعبة التقت استشاري جراحة التجميل والحروق الدكتور عبدالله الثنيان حيث تحدث بمرارة وألم عما تتعرض له الاسر والافراد في مجتمعنا نتيجة الاهمال, وحمل بعض الجهات الحكومية مثل الدفاع المدني ووزارةالتجارة وهيئة المواصفات والمقاييس المسؤولية فيما يتعلق بمادة (الاسيد) التي تستخدم في المنازل حيث قال:

(من القرارات التي يجب ان تتخذها الجهات المعنية ايقاف بيع المواد التي تستخدم لتنظيف المنازل ما عدا المواد الآمنة, وعلى هيئة المواصفات والمقاييس تجاوز مسألة الاستهتار بعقلية الرجل العربي في مسألة ترجمة التعليمات والتحذيرات المدون على اي مادة استهلاكية فنجد مثلا كما هو موجود الآن امامكم على هذه العلبة تحذيرا باللغة الانجليزية ومقابله تحذيرا باللغة العربية مخالفاً لحقيقة الترجمة وهذا امر خطير.. ومثل هذه المادة تسبب حروقاً من الدرجة الثالثة.. مصيبة للاسرة بأكملها.. تشويه وتدمير لا يجدي معها التجميل والعلاج فقط ترميم حروق ونتائجها سيئة ومن نتائجها اذا كان المصاب طفلا انه يخفق في مسيرته الدراسية او يحدث انفصال بين زوج وزوجته او يحدث ان يكون الطفل المصاب غير مقبول من زملائه في المدرسة وخاصة الاطفال الذين لديهم حروق من الدرجة الثالثة في الوجه).

واكد الدكتور الثنيان ان الحروق نتيجة مادة (الاسيد) اصبحت ظاهرة وتحدث بشكل شبه يومي وهي مادة خطيرة جدا مشيرا الى ان مثل هذه المادة لا تباع في البلدان المتقدمة الا برخص طبية لشركات معينة مثل شركات النظافة او سباك معروف ومرخص له العمل في المجاري والمراحيض بينما في المملكة نجدها في كل سوق ومتاحة للجميع -الصغير و الكبير- فهذه الشابة التي استخدمت المادة بعد زواجها بأسبوع وتعرضت لحروق من الدرجة الثالثة للوجه لانها لا تعلم الطريقة السليمة لاستخدامه وهي حسب التعليمات باللغة الانجليزية المدونة هنا استخدام (100) مليغرام من البودرة ومزجها مع لتر من الماء ومن ثم القيام بعملية الشطف بالماء بعد عشر دقائق لكن الذي يحدث هو تفريغ كمية كبيرة من (الاسيد) ومزجها بالماء بسرعة مما يعرض للخطر.

وحذر هنا من العاملات المنزليات وترك (الاسيد) في متناول ايديهن وهن لا يعرفن استخدامه بشكل صحيح وآمن..

واوضح الدكتور الثنيان ان وحدة الحروق تستقبل بمعدل حالة يوميا وخاصة في الاسبوعين الآخرين نتيجة استخدام المواد الكيميائية.

وفي العام الماضي استقبلت الوحدة حوالي (70) حالة تشمل حروقاً بالنار والمياه الحارة والمواد الكيميائية وتشكل الحروق بسبب المواد الكيميائية نسبة تصل الى 25% لكنها من اشد الحروق خطورة بعد الحرق الكهربائي.

ووجه اللوم الى الدفاع المدني في مسألة التوعية بخطرهذه المواد وكذلك ما يتعلق بخطر السماح باقامة ملاعب رياضية للشباب بجوار ابراج الضغط العالي وهذا فيه من الخطورة ما يجهلها هؤلاء.

وقد حدث في الاسبوع الماضي ان تعرض احد الشباب لحرق كهربائي نتيجة تسلقه احد الابراج الكهربائية لاخذ الكرة التي علقت في البرج وحدث لهذا الشاب الذي يبلغ من العمر خمسة عشر عاما اعاقة شديدة ولم يعد قادرا على تحريك يديه, وشاب آخر بترت يده بالكامل من الكتف بسبب برج كهربائي حيث اكل الحرق الكهربائي اللحم والعظم واستغرب الثنيان عدم اغلاق هذه الملاعب حتى الآن مشيرا الى ان افضل ملاعب للحواري في المملكة موجودة عند الابراج.

وحصر المواد الكيميائية الخطرة في نوعين هما: (الصودا الكاوية) او مياه النار, والثانية مادة (هيدروكسيد الصوديوم) شبيهة بمادة (الأسيد) التي تستخدم لتسليك (البالوعات).

وبين الدكتور الثنيان ان درجات الحروق ثلاث هي: حرق الدرجة الاولى وهو عبارة عن احمرار في الجلد, وحرق الدرجة الثانية يسبب نزع الطبقة الخارجية من الجلد ولون الجلد من الداخل احمر الى ابيض خفيف.

اما حريق الدرجة الثالثة فهو حرق بالكامل وهذا النوع تجرى له عمليات ترميم وتجسيد للجروح وقد يسبب وفيات خاصة لكبار السن او عندما يكون الحرق ممتداً على مساحة اكثر من 75%.

وقال بمرارة: (كيف يمكن ايقاف هذه المواد الكيميائية?! وبأي طريقة?!.. هذه المأساة تتكرر بشكل يومي نتيجة الاهمال لا بد ان تتخذ الجهات المسؤولية اجراء معيناً مثلا انتاج مواد تنظيف ذات تركيز مخفف جدا جدا بحيث لا يضر الجسم لان الاسيد المركز السابق نسبة الاسيد 98% ويباع في الاسواق.

وتحدث عن مستوى التوعية تجاه هذه المواد فقال: (للاسف ان التوعية لدينا نأخذها كرسائل فقط ولا نطبقها.. مثلا ابعاد جميع الاجهزة الخطرة عن الاطفال ونجد ان سلك الكهرباء في متناول الاطفال ودائما الحادث يعيد نفسه فنجد الطفل في المرة الاولى يقترب من السلك الكهربائي وفي المرة الثانية يعبث فيه وفي الثالثة يتعرض للحرق والتشوه وكذلك التوعية بالنسبة للمنظفات فرغم التحذيرات الا اننا نجده متروكا في ادراج المطابخ في متناول الاطفال وبعضهم يتناول مادة كيميائية ويشربها ويحترق كامل المرئ وهكذا.. وما زال الناس يتعاملون مع هذه المواد بكل سهولة وكأي استعمال لمادة اخرى آمنة.. كيف نصل للناس.. لا ادري!!).

واوضح استشاري جراحة التجميل والحروق ان وحدة الحروق في مبرة فهدة بنت العاصي بمدينة الملك عبدالعزيز الطبية تضم غرف العناية المركزة وغرفاً للعلاج التأهيلي والوظيفي وبها اخصائية اجتماعية واخصائية تغذية وغرفة عمليات وغرفة عيادة متكاملة مفتوحة لمدة سبعة ايام في الاسبوع تستقبل ما لا يقل عن (600) مريض في العام.

وتوجد ممرضة خاصة تقوم بالتضميد لجميع المرضى من خارج المدينة الطبية ويوجد طبيب مسؤول عن الوحدة ويتواجد على مدار (24) ساعة.



ووصف الآثار النفسية والاجتماعية للاسر التي يصاب احد افرادها بحرق كيميائي قائلا: (تصور ان اما لديها اطفال وترافق طفلها المصاب لمدة شهر في العناية المركزة كيف سيكون وضع اسرتها وابنائها في المنزل لا شك ان نظامهم اليومي لن يكون جيدا وسيعيشون في حالة طوارئ فالامر ليس سهلا, وهناك من يأتيك من اهل المصابين بالحروق, من يطالبك بالسماح له باخراج قريبه المصاب ولم تنته رحلة علاجه فيدخلك في دوامة بين علاج المريض واقناع الاهل وعلاجهم نفسيا).


عكاظ