تناقلت الصُّحُف المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي مؤخراً صورة خَبَر إطلاق هيئة الزكاة والضريبة والجمارك خدمة
استيراد المَركَبات الشخصية للأفراد ذاتياً الذي نَشَرته الهيئة مُتَوَّجَاً بصورة معالي مُحافظ الهيئة. حيث جاء في حيثيات ذلك الخَبَر ما يلي: “تُتيح الخدمة للمواطنين والمقيمين الأفراد استيراد المَركَبات الشخصية للأفراد من خارج المملكة عبر المنافذ الجمركية (البرية والبحرية) مِنْ خلال موقع هيئة الزكاة والضريبة والجمارك...”. طارت به الرُكبان !؟ المؤلم أو المُضحِك أنَّ خَبَر إطلاق هيئة الزكاة والضريبة والجمارك خدمة استيراد المَركَبات الشخصية للأفراد ذاتياً “طارت به الرُكبان”، كما يُقال، وانتَشَرَ في وسائل التواصل الاجتماعي والصحافة المحلية والعربية انتشاراً كبيراً، وكأنَّ قرار الهيئة هذا جديد !! بمعنى أنَّه قبل إعلان الهيئة لهذا الخَبَر كان يُمنَع على الأفراد في المملكة استيراد مَركَبة (أي سيارة) مِن الخارج، واليوم وببادرَةٍ جديدة كريمة فريدة مِن لَدُن هيئة الزكاة والضريبة والجمارك سَـيُسـمَح للإفراد استيراد سيارات، بل وعَبر موقع الهيئة. ومَن يريد الاستفادة من هذه الخدمة عليه دخول موقع الهيئة في الإنترنت واختيار “خدمة استيراد المَركَبات للأفراد” وإكمال المعلومات المطلوبة !! حقيقة الأمر أنَّ السوق السعودي ــ ولله الحمد ـــ مفتوح للفرد قبل الشركات لاستيراد ما يرَغب مِن جميع السلع غير الممنوعة محلياً والتي منها المَركَبات (السيارات)، وذلك مُنذُ أن وَحَدَّ المملكة المؤسس الملك عبدالعزيز، طيَّبَ الله ثراه، قبل أكثر مِن قرنٍ مِن الزمن. وبالتالي، فإنَّ إعلان هيئة الزكاة والضريبة والجمارك لهذه الخدمة الآن لم يأتِ بجديد، بل أعطى لِمَن هُم خارج المملكة رسالة ســيئة عن الوضع المعيشي في المملكة بأنَّها دولة مُغلَقة ومُنغَلِقَة على نفسها لا تُعطي المواطنين والمقيمين أي حقوق حتى في استيراد سيارة. هذه الحقيقة المؤلمة كانت سائدة لأكثر مِن نصف قرن في دولة “سوريا الأسد”، حيث كانت الدولة تشتري السيارات وتبيعها للمواطن الذي لا يدري ما نوع وموديل السيارة التي سَـيسـتلمها بعد أنْ يدفع للدولة نصف قيمتها مُقَدَّماً وينتظر عِدَّة أشهر قد تَصِل إلى سنة؛ وذلك كما أخبرني صديق سوري. توقيت سـيء !! إنَّ توقيت إعلان هيئة الزكاة والضريبة والجمارك عن هذه الخدمة سيء جداً، وكأنَّ الهيئة تُريد أنْ توَضِّح للعالَم أنَّ المواطن السعودي والمُقيم في المملكة يحِق لهم “الآن” استيراد سيارة عَبر هيئة الزكاة والضريبة والجمارك فقط، في حين أنَّ المواطن السعودي والمُقيم ــ ولله الحمد ــ يَحِقُ لهم استيراد سيارة مُنذُ عشرات السنين دون المرور عَبر هيئة الزكاة والضريبة والجمارك أو أي جهة حكومية كانت. لذلك لَيتَ هيئة الزكاة والضريبة والجمارك لم تُعلِن عن حَقّ وحقيقة قديمة جداً يَتَمَتَّع بها المواطن والمُقيم في مملكة العِزّ والكرامة المملكة العربية السعودية، وكأنَّي بالهيئة “أرادت أن تُكَحِّلها فأعمَتها” بهذا الإعلان. وللتدليل على التداعيات السلبية لخَبَر هيئة الزكاة والضريبة والجمارك صياغةً وتوقيتاً، اقرأ عزيزي القارئ “مانشـيتات” وسائل الإعلام المحلية والعربية عن إعلان الهيئة هذا. فقد كَتَبَ موقع أرقام: إتاحة استيراد المَركَبات الشخصية للأفراد في السعودية ذاتياَ https://shorturl.at/4uK6T، وكَتَبَ موقع العربية نت: السعودية تُتيح خدمة استيراد المَركَبات الشخصية للأفراد ذاتياً https://shorturl.at/85Dnp، وكتَبَ موقع الاقتصادية: السعودية تسمح للأفراد باستيراد المَركَبات ذاتياً https://shorturl.at/BcTHb، في حين كَتَبَ موقع أريبيان بيزنس: إتاحة خدمة استيراد المَركَبات الشخصية للأفراد ذاتياً في السعودية https://shorturl.at/i0g4a. وبالتالي، فأي شخص يقرأ هذه “المانشيتات أو الترويسات” لإعلان هيئة الزكاة والضريبة والجمارك في المواقع الإعلامية المحلية والعربية، سَــيجزِم قاطِعَـاً بأنّه قبل هذا الإعلان العظيم للهيئة كانت المملكة تَمنَع مواطنيها والمقيمين مِن استيراد سيارة للاستخدام الشخصي. وهذا غير صحيح جُملّةً وتفصيلاً. كان المأمول !! لقد كان المأمول مِن هيئة الزكاة والضريبة والجمارك أنْ تَستَبدِل إعلانها “غير الموَفَّق” بإعلان عن سماحها للمواطن باستيراد أكثر مِن سيارتين في السـنة، وهو القيد الذي حَدَّدته الهيئة قبل عِدَّة سنوات، وكأنَّ هذا القيد يُقصَد به حماية وكلاء شركات السيارات في المملكة وعَدَم التأثير على مبيعاتهم وإجبار المواطن والمقيم على الشراء مِن هؤلاء الوكلاء. والكُلّ يُعاني مِن ارتفاع أسعار أنواع غير قليلة من السيارات في المملكة مُقارَنَةً بالأسواق المُجاوِرَة أو الأسواق الأوروبية والأمريكية (أُنظر مقال: مَن يُجَوِّع سوق السيارات السعودي https://rb.gy/g15c2v). وكذلك كان المواطن يأمل خروج إعلان لهيئة الزكاة والضريبة والجمارك عن السماح للمواطن والمقيم باستيراد مَركَبات عُمرها أكثر مِن خمس سنوات، وهو القَيد الثاني المُجحِف في عملية استيراد سيارة للاستخدام الشخصي (خاصةً وأنَّ هذه السيارات المستعملة ستَخضَع للفحص الميكانيكي). ولكن، للأسف لم تُعلِن الهيئة عن شيءٍ مِن ذلك، ليبقى المواطن والمُقيم تحت وطأة احتكار وكلاء شركات السيارات وحُرّيَّتِهِم المُطلَقَة في تسعير السيارات كما يحلو لهم وبأرباحٍ كبيرة جداً لبعض موديلات السيارات. يَبخســون الريال !!؟ إنَّ تمادي بَعض وكلاء شركات السيارات في المملكة بالمُبالَغَة في تسعير بعض موديلات السيارات التي يبيعونها إنَّما هو في حقيقة الأمر مُمَارَسَـة تجـارية “تَبخَــس” الريال السعودي قُوَّته الشرائية وتُظهِره على أنَّه عُملَة ضعيفة جداً. والدليل على ذلك كما هوَ موَضَّح في الجدول الذي وَرَدَ في المقال السابق (https://rb.gy/g15c2v). حيث نَجِد أنَّ القوَّة الشرائية للريال السعودي كبيرة جداً عند شراء السيارة مِن خارج المملكة، وضعيفة جداً عند شراء نفس السيارة من وكلاء شركات السيارات في المملكة، بحيث نَجِد أنَّ أرباح وكلاء شركات السيارات مِن بعض موديلات السيارات أكبر من قُرنائهم في أمريكا بحوالي 64% (مثال سيارات لكزس ومرسيدس). هذه الحقيقة لم تُدركها هيئة الزكاة والضريبة والجمارك، بل إنَّ القَيدين اللذين وضعتهما الهيئة على المواطن والمُقيم عند استيراد سيارة وذلك بتحديد سيارتين فقط يستوردهما سنوياً وبعُمر السيارة لا يتجاوز خمس سنوات، زاد مِن قوَّة احتكار وكلاء شركات السيارات والمُبالَغَة في تسعير السيارات التي يبيعونها، وبالتالي تكون هيئة الزكاة والضريبة والجمارك “شـريكاً” لوكلاء شركات السيارات في “بَخــس” القوُّة الشرائية للريال السعودي عند شراء سيارة في المملكة. فهل تَعي هيئة الزكاة والضريبة والجمارك هذه الحقيقة المالية الاقتصادية المؤلمة والخطيرة !؟ تكـرار الضريبة !؟ بهدَف التجربة، دَخَلت موقع هيئة الزكاة والضريبة والجمارك للتَعَرُّف على خدمة استيراد المَركَبات للأفراد (https://shorturl.at/caUy9)، لمعرفة تكاليف استيراد سيارةٍ ما. حيث اخترت سيارة مستعملة موديل 2020 استهلاكها للطاقة غير اقتصادي (7 كم/لتر) وقيمتها 200 ألف ريال. حيث أعطى موقع الهيئة رسوم جمركية (5%) بمبلغ 10000 ريال، ومُقابل مالي بمبلغ 40000 ريال، ورسوم الخدمة 300 ريال، وضريبة القيمة المضافة (15%) بمبلغ 37545 ريال، بإجمالي تكاليف الاستيراد 87845 ريال. بالطبع لا يدخُل في هذا المبلغ قيمة السيارة 200 ألف ريال؛ ليكون إجمالي قيمة السيارة بعد اسـتيفاء رسوم الجمارك ورسم الخدمة وضريبة القيمة المُضافة مبلغ 287845 ريال. المُلاحَظ على طريقة حساب هيئة الزكاة والضريبة والجمارك لإجمالي تكاليف استيراد سيارة أنَّ الهيئة تُعَرِّض المُستَهلِك النهائي لدفع الضريبة مرتين، وذلك مِن خلال حساب ضريبة القيمة المُضافة (15%) على إجمـالي قيمة السيارة مع الرسوم الجمركية والمقابل المالي (لكفاءة الطاقة) ورسوم الخدمة، وليس فَرض ضريبة القيمة المضافة 15% فقط على قيمة السيارة الأساسي (200 ألف ريال)، وهو 30000 ريال وليس مبلغ 37545 ريال المذكور سابقاً. فالرسوم الجمركية (5%) على هذه السيارة هي نوع مِن “الضريبة الحكومية” وليست خدمة، وكذلك “المقابل المالي” هوَ أيضاً “ضريبة طاقة” فَرَضتها الحكومة على السيارات غير المطابقة لكفاءة الوقود، وليست خِدمة يُسـتَحَق عليها تحصيل ضريبة قيمة مضافة. وبالتالي فإنَّه مِن غير المنطق حسـاب ضريبة القيمة المُضافة على إجمالي هذه الرسوم الحكومية ليدفعها المستهلك النهائي للسيارة. حيث أنَّ الفرق بين الرقمين لضريبة القيمة المُضافة في المثال (30000 ريال بواقع 15% على قيمة السيارة فقط، ومبلغ 37545 ريال بواقع 15% على إجمالي الرسوم الجمركية والمقابل المالي ورسوم خدمة الهيئة) هوَ 7545 ريال، أي ما يُعادل 3,8% من قيمة السيارة الأساسي 200 ألف ريال. هذا يُسمى في عِلم الضرائب والمحاسبة “تكرار فرض الضريبة Double Taxation”.المصدر
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكرك على الإطلاع على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ، ولو إسما مستعارا ; للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو مراعاة أخلاق المسلم ; حتى لا نضطر لحذف التعليق
تقبل أجمل تحية
ملاحظة :
يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..