الأحد، 19 يونيو 2022

العصر الذهبي لاقتصاد «تحت الطلب» يقترب من نهايته

سارا أوكونور من لندن
في البداية كان هناك سائقو سيارات أوبر الذين يأتون إلى بابك بضغطة زر.
والآن هناك أشخاص يجلبون لك علبة البسكويت وبعض حبوب الأيبوبروفين.

     من السهل رؤية جاذبية التخمة الجديدة من تطبيقات التوصيل فائقة السرعة التي تعد بإيصال البقالة للعملاء في أقل من عشر دقائق. أحد المستثمرين في القطاع تم اجتذابه بعد أن طلب بعض الفستق وعلبة من الصودا وصلا إليه في سبع دقائق.
    ليست بالفكرة الجيدة أن يكون لديك أشخاص تحت تصرفك ورهن اتصالك. في بلدان مثل بريطانيا، كان من الشائع أن يكون لدى الأسر الميسورة خدم. كتاب "ميس بيتون بوك أوف هاوس هولد مانجمنت"، الذي نشر عام 1907، ذكر أن الأسرة التي يبلغ دخلها ألف جنيه استرليني سنويا ينبغي أن توظف خادمين أو ثلاثة، في حين أن الأسرة يبلغ دخلها 200 جنيه سنويا ينبغي أن يكون لديها "فتاة شابة تعمل في الأعمال الشاقة". في بعض البلدان غير المتكافئة إلى حد كبير مثل الهند، لا يزال لدى الأسر الغنية خدم.
   أتاحت تطبيقات "تحت الطلب" نسخة من السوق الشاملة للرفاهية، متمثلة في وجود أشخاص تحت تصرفك لأداء مهام بالنيابة عنك - على الرغم من أنها مجموعة صغيرة من الأشخاص الذين لا تعرفهم وربما لن تراهم مرة أخرى.
   استفادت شركات الوظائف المؤقتة من هذا الموضوع بشكل واضح في معظم الأحيان.
كانت أوائل شعارات شركة أوبر هي "سائق الجميع الخاص". وتقول شركة جيتر، واحدة من تطبيقات التوصيل فائقة السرعة، إنها "تضفي الطابع الديمقراطي على حق التكاسل".
بالنسبة إلى بعض النقاد، نمو "اقتصاد الخدم" الجديد هذا هو عرض لتجدد ظهور عدم المساواة الاقتصادية والطبقة الفقيرة التي لا تملك خيارات أفضل. لكن هناك عامل آخر ساعد على تقوية ظهورهما: كان المستثمرون يدعمون المستهلكين عبر تمويل الشركات التي عادة ما تتقاضى رسوما أقل مقابل هذه الخدمات مقارنة بتكاليف تقديمها.
هذا النموذج معرض للخطر الآن. المشكلة الكبرى هي أن الأموال آخذة في النفاد. عقد من الأموال الرخيصة أفسح المجال أمام ارتفاع التضخم، وتوقعات النمو القاتمة، وأسعار الفائدة المرتفعة. وبدأ المستثمرون يشعرون بالقلق بشأن تكديس الأموال في الشركات الخاسرة ـ انخفضت أسهم الشركات المدرجة مثل ليفت وديلفيرو بشكل حاد.
ويطرد كثير من تطبيقات التوصيل فائق السرعة الموظفين في محاولة منها لأن تظهر للمستثمرين أنها جادة بشأن الربحية. كتب الرئيس التنفيذي لشركة أوبر، دارا خسروشاهي، للموظفين في مذكرة حديثة: "نحتاج أن نريهم الأموال".
لكن من المرجح أن يعني كسب المال دفع أجور أقل للموظفين أو زيادة التكاليف على العملاء. وهذا وقت سيئ للمحاولة، لأن معدلات البطالة منخفضة والوظائف الشاغرة مرتفعة في كثير من البلدان، من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى أوروبا وأستراليا. لدى الموظفين خيارات أكثر من ذي قبل. إضافة إلى ذلك، ارتفاع سعر البنزين يجعل القيادة طوال اليوم مكلفة بشكل خاص.
علاوة على ذلك، أصبحت المحاكم والجهات التنظيمية والتشريعية أكثر صرامة بشأن حقوق التوظيف وضمانات الحماية للعاملين في الوظائف المؤقتة.
قضت المحكمة العليا في المملكة المتحدة العام الماضي بأن شركة أوبر توظف سائقيها بالفعل، ما يعني أنها مدينة لهم بالحد الأدنى للأجور، وأجر الإجازة، ومساهمات المعاشات التقاعدية. ووضع الاتحاد الأوروبي أيضا خططا لمنح حقوق التوظيف لكثير من العاملين في الوظائف المؤقتة الذين يعاملون حاليا باعتبارهم عاملين مستقلين. يعمل عدد من تطبيقات التوصيل فائقة السرعة الجديدة، بما في ذلك جيتر وجوريلا، على توظيف العاملين بالفعل.
سيكون فرض أسعار أعلى على العملاء أمرا صعبا أيضا. قد تكون معدلات البطالة منخفضة لكن التضخم المرتفع يستهلك أجور الناس. في المملكة المتحدة، توقع بنك إنجلترا أسوأ ضغوط على الدخل المتاح منذ 30 عاما على الأقل.
هناك بالفعل دلائل على أن الناس يقلصون من الإنفاق كيفما اتفق – وليس هناك ما هو أكثر تبذيرا من الدفع لشخص ما مقابل إحضار علبة بسكويت إلى منزلك.
تحب الشركات التحدث عن الحجم الهائل لمخزونها من "إجمالي الأسواق المتاحة". في وثيقة الطرح العام الأولي، قالت شركة أوبر إن إجمالي الأسواق المتاحة الخاص بها كان "يساوي جميع أميال مركبات الركاب وجميع أميال النقل العام في جميع بلدان العالم مجتمعة".
من الواضح أن العملاء يقدرون التكنولوجيا السلسة التي تستخدمها شركات الوظائف المؤقتة. لكن ما مقدار الطلب الذي سيظل لمثل هذه الخدمات بمجرد ارتفاع أسعارها؟
يبقى أن نرى عدد هذه الشركات التي ستنجو في الأعوام القليلة المقبلة وبأي شكل. لكن العصر الذهبي لمستهلكي خدمات تحت الطلب يقترب بالتأكيد من نهايته.
في العقد الذي تلا الأزمة المالية عام 2008 عندما كان نمو الأجور راكدا إلى حد ما بالنسبة إلى الكثيرين، ربما أعطتنا هذه التطبيقات إحساسا بأننا أكثر ثراء مما نحن عليه في الواقع، وإن كان يتضمن بعض التكاليف الخفية طويلة الأجل. ربما تم إضفاء الطابع الديمقراطي على حق التكاسل – لكن ليس لفترة طويلة.





-----
المصدر
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكرك على الإطلاع على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ، ولو إسما مستعارا ; للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو مراعاة أخلاق المسلم ; حتى لا نضطر لحذف التعليق
تقبل أجمل تحية
ملاحظة :
يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..