تنام فوق أرفف كارفور «هايبر ماركت» علب حبوب ذرة حلوة متعدّدة الأحجام لنحو عشر علامات تجارية مختلفة. يلتقط أحد الزبائن علبة، فتأخذ مكانها في عربة التسوق.
التعديل الجيني في الذرة هو تغيير الإنسان في صفة أو أكثر من صفات الذرة الأساسية، بفصل أو إدخال أو وصل مادة وراثية (جين) من كائنات حيّة نباتية أو حيوانية، بهدف زيادة كمية المحصول وجودته أو جعله أكثر مقاومة للظروف البيئية المختلفة.
تحقيق: أمل الهدهد ومصعب الشوابكة
لا يعرف هذا الزبون إن كانت العلبة التي سيلتهمها معدّلة جينيًّا أم لا؟
لأن
بطاقة البيان (اللاصق) المثبّتة على العلبة خالية من عبارة «تحتوي/ لا تحتوي على تعديل جيني»، في تناقض مع تعليمات السلامة الأحيائية لعام 2009. منذ ذلك التاريخ، اتجه مستوردون لشطب تصنيف «معدّلة جينيًّا» عن ملصقات تعريف المنتج، دون ضمان خلوه من التعديل، وسط ضعف رقابة المؤسسات المختصة.لأن
التعديل الجيني في الذرة هو تغيير الإنسان في صفة أو أكثر من صفات الذرة الأساسية، بفصل أو إدخال أو وصل مادة وراثية (جين) من كائنات حيّة نباتية أو حيوانية، بهدف زيادة كمية المحصول وجودته أو جعله أكثر مقاومة للظروف البيئية المختلفة.
من بين عشر علامات تجارية مختلفة معروضة على أرفف متجر «كارفور» في منطقة خلدا غرب عمان، تنفرد العلامة التجارية (Maxim`s) بوضع لاصق على منتجها: «غير معدلّة جينيا» باللغتين العربية والإنجليزية. لكن نتائج التحليل المخبري أثبتت أنها معدلة جينيًا.
أخضع معدّا التحقيق عشرين علبة ذرة حلوة لعشر علامات تجارية مختلفة لتحليل محتوى في مختبرين مختلفين بفارق ستة أشهر بين الفحص الأول والثاني، كان الأول في تشرين أول/ أكتوبر 2017. نتائج مختبرات كلية الزراعة في الجامعة الأردنية والجمعية العلمية الملكية أثبتت أن 85% من منتجات العلامات التجارية خضعت لتعديل جيني/ وراثي. هذه السلع تغرق السوق المحلية في خرق لقرار المؤسسة العامة للغذاء والدواء عام 2005 بحظر دخول المواد المعدّلة جينيًّا للأسواق المحلية.
تتعرض هذه المؤسسة لضغوط من المدير الإقليمي لوزارة الزراعة الأمريكية -ومقره في السفارة الأمريكية في القاهرة- لإلغاء هذا القرار، بحسب مصدر مسؤول في المؤسسة فضّل عدم ذكر اسمه.
مستوردون لهذه السلع لا يكتفون بإدخالها إلى السوق، بل يرفقون ذلك أيضًا بعرض شهادات مخبرية تثبت خلوها من تعديلات جينية، وسط إهمال جهات مختصة وضعف بعضها الآخر. اطلع معدّا التحقيق على شهادات مخبرية لمنتجيْ ذرة من بين عشر منتجات تفيد بخلوها من التعديل الجيني، خلافًا لنتائج الفحصيْن المخبريين.
خُلو بطاقة البيان على 18علبة من أي إشارة تفيد بأنها معدّلة جينيًّا، أو غير معدلة، يضلّل المستهلك. كما يحرمه من حقّه في الحصول على معلومات صحيحة عن السلعة التي يشتريها، بحسب قانون حماية المستهلك لعام 2017.
تدخل هذه السلعة الأسواق دون أن تخضع لفحوص المؤسسة العامة للغذاء والدواء، لأن مؤسسة المواصفات والمقاييس لم تصدر حتى الآن قاعدة فنية للأغذية المعدّلة جينيًا رغم قرار حظر تداولها في الأردن. كما أن وزارة البيئة لم تفعّل تعليمات السلامة الأحيائية لعام 2009، ولم تلتزم ببروتوكول قرطاجنة المرتبط باتفاقية التنوع البيولوجي، التي صدّق الأردن عليها عام 2000، بهدف حماية التنوع الحيوي من مخاطر الكائنات الحيّة المعدّلة جينيا.
وكشف معدّا التحقيق ضَعفًا في التنسيق بين تسع جهّات حكومية مختصّة في مراقبة الغذاء، وتراجعًا في اهتمام الحكومات بهذا الملف الحيوي بسبب سرعة تغيير الوزراء والمسؤولين.
التحاليل المخبرية
في تشرين أول/ أكتوبر 2017، فُحِصت عشر علب ذرة تحمل كلٌّ منها علامة تجارية مختلفة، بعد شرائها من كارفور هايبر ماركت في خلدا. وهي: (Maxim`s)، العلالي، الصياد، كارفور، توليدو، قودي، (Plein soleil)، نيولاند، فريسكو، بوستمان. كشفت نتائج التحليل في مختبرات كلية الزراعة في الجامعة الأردنية وجود تعديل جيني على صفة واحدة على الأقل في ثمان علب. وثبت أن علبتيْ كارفور و(plein soleil) خاليتان من التعديل الجيني.
أستاذ التقنيات الحيوية في كلية الزراعة منذر الصّدر -الذي أجرى التحليل بطلب من معديْ التحقيق- لم يتوقع وجود نسبة كبيرة من العلب المعدلة جينيا: «لكن حتى أتأكد، أعدنا الفحص ثلاث مرات وبعض العينات أربع مرات، منفصلة طبعًا»، وأعطت النتائج ذاتها.
جميع العلب التي أظهر التحليل أنها معدّلة جينيًا، تضمنت مادتها الوراثية جين بكتيري، بهدف إضفاء صفة جديدة تجعل الذرة أكثر مقاومة للحشرات والمضادات الحيوية وتزيد تحمّلها لنوع معين من مبيدات الأعشاب، بحسب منظمة الخدمات العالمية لامتلاك تطبيقات التكنولوجيا الحيوية الزراعية (ISAAA).
في نهاية شباط/ فبراير 2018، أعيد الفحص مرة ثانية لدى الجمعية العلمية الملكية، لعينات ذرة حلوة تحمل أرقام شحن مختلفة للعلامات التجارية العشر. وأثبتت النتائج أن تسعًا من العينات معدّلة جينيا -بما فيها علامتا كارفور و(Plein Soleil)- باستثناء عينة (Maxim`s).
وللتأكد من دقّة النتائج بين المختبرين، اعتمدت عينة مرجعية؛ وهي علبتا ذرة حلوة لعلامة الصياد يتطابق فيهما رقم الشحنة، وتاريخا الإنتاج والانتهاء. وأظهرت النتائج لدى المختبرين أنهما معدلتان جينيا.
تعديل جيني غير مسموح في بلد المنشأ
أظهرت نتائج التحليل أن أربع علب ذرة حلوة تايلندية المنشأ تباع في الأسواق الأردنية، وهي (العلالي، فريسكو، (Maxim`s)، بوستمان) أخضعت لتعديل جيني واحد على الأقل غير مصرح به في دولة المنشأ تايلاند، بحسب منظمة الخدمات العالمية لامتلاك تطبيقات التكنولوجيا الحيوية الزراعية ISAAA.
المفارقة أن تايلند كانت قد صرّحت في 26 آب/ أغسطس 2016 لمنظمة الغذاء والزراعة التابعة للأمم المتحدة (FAO)، أنها لا تنتج أعلافًا أو أغذية معدّلة جينيًا، ولا تصدّرها أيضًا.
Maxim`s
جودة استثنائية واهتمام بأدق التفاصيل واحترام للمستهلك، تلك هي القيم الثلاث التي تتبعها (Maxim`s)، حسبما تعلن الشركة على موقعها الإلكتروني.
لكن نتائج تحليل مختبر كلية الزراعة أظهرت وجود تعديل جيني بكتيري على ثلاث صفات وراثية لعلبة ذرة حلوة مكتوب عليها «غير معدل جينيا» باللغتين العربية والإنجليزية. العلبة المفحوصة كانت ضمن 60 ألف علبة استهلكها الناس في الأردن، لا تحمل رقم شحنة، وتاريخ إنتاجها 12/8/2016 وانتهاء صلاحيتها في 12/8/2019، بحسب البيان الجمركي الذي اطلع عليه معدا التحقيق.
يعدّ قانون الغذاء، هذه الشحنة «موصوفة وصفًا كاذبًا»، طالما أن المعلومات على بطاقة البيان غير صحيحة، وتضلّل المستهلك، وبالتالي يمنعُ القانون إدخالها.
في مثل هذه الحالة يُسحب المنتج ويعاقب المستورد بغرامة لا تقل عن ألف دينار، ولا تزيد عن خمسة آلاف دينار، بحسب تشخيص مدير مديرية الغذاء في المؤسسة العامة للغذاء والدواء أمجد رشايدة. لكن هذا لم يحدث. يعلّل رشايدة ذلك بعدم معرفته: «هذه معلومات جديدة، أنا بسمعها منك، لأنه إحنا ما بنفحص التعديل الجيني بشكل روتيني».
يرى الصّدر أن التعديل الجيني الظاهر في فحوص العينة لا يعني أن جميع منتج الذرة الحلوة الذي يحمل علامة تجارية ما هو معدل جينيًا. وهذا ما قد ينطبق على سائر العلامات التجارية التي أخضعت عيناتها للتحليل.
الصدر يشدّد على دقة نتائج التحليل، مستبعدًا وجود خطأ: «لو كان هناك تلوث (في المختبر)، لظهر التعديل في جميع العينات، لكنّه ظهر في عينات محددة، وظهرت تعديلات مختلفة عن بعضها البعض، وبالتالي هذا دليل أن التلوث غير موجود».
هذه الشحنة استوردتها شركة الموزعون المتخصصون للمواد الاستهلاكية؛ وهي الوكيل والموزع للعلامة التجارية (Maxim`s) الخاصة بالذرة الحلوة في الأردن. ينفي مدير عام الشركة مينا هريش، أن تكون شركته أدخلت للأردن ذرة حلوة معدلّة جينيًا، وعرض شهادة خلو من التعديل الجيني صادرة من المُنتِج، لكنّه رفض تزويدنا بنسخة عنها.
هريش شكّك في صحّة ودقة نتائج التحليل الخاص بهذا التحقيق مع أن شركته تعتمد على هذه المختبرات في تحليل بعض ما تستورده، بحسب ما اطلع عليه فريق التحقيق. وطالب بإعادة التحليل لدى الجمعية العلمية الملكية. فعلًا أُجري الفحص على علبة جديدة، لها رقم شحنة جديد، لعدم وجود رقم شحنة على العلبة المحلّلة سابقًا، وعدم توافر علب بذات تاريخ الإنتاج والانتهاء في الأسواق، إضافة لعدم توافرها في مستودعات الشركة المستوردة أيضًا، بحسب هريش.
التحليل مرة ثانية
تحقيقا للعدالة بين العلامات التجارية العشر، أعيد تحليل علبة ذرة جديدة من كل علامة تجارية لدى مختبرات الجمعية العلمية الملكية في مارس/ آذار 2018. العلبة الجديدة لها رقم شحنة مختلف، وتاريخا إنتاج وانتهاء جديدين.
وللتأكد من دقة وسلامة تحليل مختبرات الجامعة الأردنية، فحصت علبة ذرة حلوة تعود لعلامة الصياد كعينة مرجعية، وهي تحمل رقم الشحنة عينه وتاريخي الإنتاج والانتهاء للعينة المحللة سابقًا لدى مختبر الكلية.
أظهرت نتائج التحليل لدى الجمعية، أن العينة المرجعية العائدة لعلامة الصياد ورقم شحنتها (H5EC 161E/ 5154)، وتاريخ إنتاجها 1/2016، تحتوي على تعديل جيني. وهو ما يؤكد تطابق النتيجة التي توصل إليها تحليل مختبرات الكلية.
أما نتائج تحليل مختبر الجمعية للعينات العشر، فكشفت أن تسعًا من بين عشر معدلة جينيا. وتحمل هذه العلب العلامات التجارية التالية: العلالي، الصياد، كارفور، توليدو، قودي، Plein Soleil، نيولاند، فريسكو، بوستمان. كما أظهر التحليل أن علبة الذرة Maxim`s الجديدة، ورقم شحنتها KKVLE/032 خالية من التعديل الجيني، وهذا لا يعني أن نتيجة المختبر السابقة مغلوطة، كون العلبتين من شحنتين مختلفتين.
الشركات ترد
في رسالة مكتوبة، تؤكد شركة خيرات البيادر الوكيل والموزع للعلامة التجارية «توليدو» بأن كافة منتجاتها المستوردة خالية من المواد المعدلة جينيا. وتضيف: «نحن حريصون على استيراد منتجات غير معدلة جينيا، إذ نسعى دائما لتزويد المستهلكين بأفضل المنتجات».
كما تؤكد «أن موادنا المستوردة تُحلل لدى السلطات الأردنية، ولم نحصل على أي شكوى أو مخالفة». كلام الشركة لا يتوافق مع تصريح مدير مديرية الغذاء أمجد رشايدة بأن مؤسسة الغذاء والدواء لا تفحص التعديل الجيني في المواد المستوردة.
وأرفقت الشركة في رسالتها شهادة خلو من التعديل الجيني صادرة عن شركة شامين هولدينج للاستيراد المنتجة للصنف: «نحن نؤكد أن المنتج خال من التعديل الجيني». لكن هذه الشهادة تخالف نتائج فحص المختبرين.
أما الشركة الأردنية الأولى للتموين الموزع للعلامة التجارية «قودي»، فترد بنص مكتوب: «موضوع التعديل الجيني لا علاقة لأي من أصنافنا به، ولو كان موجودًا لما سمحت الجهات الرسمية بإدخاله إلى الأسواق الأردنية».
وتؤكد الشركة أن جميع أصنافها «تخضع للفحص المخبري من الجهات الرسمية المعتمدة».
وعلى غرار الشركتين السابقين، تنفي مؤسسة التسالي الأردنية التجارية؛ المنتج والموزع لعلامة «الصياد»، وجود تعديل جيني في منتجاتها من الذرة الحلوة. وتؤكد أنها مطابقة للمواصفات والمقاييس الأردنية، وأن «الشحنة المشار إليها أخضعت للفحص لدى الجهات الرسمية المختصة مرتين (..) بالإضافة إلى فحص وتقرير من الشركة المصنعة في الولايات المتحدة الأمريكية يشير إلى نفس نتائج الفحوص الرسمية في الأردن». على أن مدير التسويق في الشركة حسام العزيزي لم يرد على طلب تزويدنا بنسخة منها.
من جهتها اكتفت شركة ترانسميد-الأردن المستوردة للعلامة التجارية (Plein Soliel) بالقول: «قبل استيراد أي منتجات تدخل إلى المملكة نأخذ كافة الموافقات من الجهات الحكومية الرسمية مثل المؤسسة العامة للغذاء والدواء، ومؤسسة المواصفات والمقاييس». وتجاهلت الشركة طلبنا تزويدنا بنسخة عن الموافقات الرسمية والفحوص.
في المقابل، امتنعت الشركات التالية عن الرد على الأسئلة المرسلة لها، خلال المدة الزمنية المحددة، وهي: الوطنية للتجارة والتوزيع؛ الموزع للعلامة التجارية «العلالي»، مجموعة شعبان؛ الموزع للعلامة التجارية «بوستمان»، والروسية الأردنية للاستثمار؛ الموزع للعلامة التجارية «فريسكو»، ويوسف نادر وأولاده؛ الموزع للعلامة التجارية «نيولاند»، والفطيم هايبرماركتس، الموزع للعلامة التجارية «كارفور».
الغذاء والدواء لا تفحص الأغذية المعدلة جينيًّا
على إثر قرار المؤسسة العامة للغذاء والدواء في نهاية أيلول/ سبتمبر 2005 رفض تخليص أغذية يدخل ضمن مكوناتها مواد معدلة جينيًا، أرسل مدير عام شركة الأغذية المتميزة آنذاك خلدون زوايدة كتابًا لغرفة صناعة عمان، يحذر فيه الصناعيين من استيراد منتجات «تحتوي على مواد معدلة جينيا (..) لأنها سترفض في حال كُتب على بطاقة البيان أن المادة معدلة جينيا». ويبدو أن الشركات قد تنبهت لهذا التحذير، فخلت العلب من إشارة تدل على وجود تعديل جيني في محتوياتها.
يقول نقيب تجار المواد الغذائية خليل الحاج توفيق: «المؤسسة العامة للغذاء والدواء لا تسمح بدخول مواد معدلة جينيًا. وإذا وجدت على بطاقة البيان ذلك، يُمنع دخولها». وهذا ما يؤكد أن الطريق المعبد لدخول الأغذية المعدلة جينيًا إلى الأردن هو عدم كتابة ذلك على بطاقة البيان، بحسب ما توصل إليه هذا التحقيق.
المفارقة أن المؤسسة تمنع دخول منتجات معدلة جينيًا، لكنها لا تفحص هذه المنتجات للتأكد من التزام المستورد بقرارها. يقول رشايدة: «ما في فحوص لأنه إحنا ما بندخلّ هذي المواد». ويضيف: «المنتج الذي لا يكتب على بطاقة البيان معدل جينيا، يعني بكون غير معدل جينيا».
ثقة المؤسسة بما يكتبه المُنتج، وعدم الفحص المخبري، هي الثغرة التي سمحت بدخول علب ذرة حلوة، 85% منها معدّلة جينية، إلى الأسواق الأردنية بين أيلول/ سبتمبر 2017 وآذار/ مارس 2018، واستهلكها الناس دون أن يعرفوا مكوّناتها بدقة.
قرار حظر استيراد منتجات معدلة جينيًّا جاء «من باب درء المخاطر»، في ظل غياب دراسات تؤكد ضررها من عدمه على صحة الإنسان، حسبما يؤكد رشايدة.
إلا أن المؤسسة لم تتبع قرارها بحظر الأغذية المعدلة جينيًا، بإصدار أنظمة وتعليمات لتنفيذ قرارها، فهي لم تقر حتى تاريخ نشر هذا التحقيق نظامًا خاصًا بالأغذية المعدّلة جينيًا. كما لم تصدر نظامًا يرصد استخدام هذه المواد في المصانع، بحسب نص قرار المؤسسة بالمنع. إضافة إلى عدم وجود مواصفة قياسية للأغذية المعدلة جينيًا ليتم اعتمادها في الفحص، وفق مدير عام مؤسسة المواصفات والمقاييس السابق حيدر الزبن في مقابلة أجريت معه أثناء توليه المنصب.
وبينما يؤكد رشايدة عدم دخول أغذية معدلة جينيًا للأردن، إلا أنه لا ينكر أنها قد تدخل بطريقة الخطأ أو التهريب.
لجنة السلامة الأحيائية غير مفعلة
تشكلت بموجب تعليمات السلامة الأحيائية لسنة 2009 لجنة وطنية للسلامة الأحيائية برئاسة وزير البيئة وعضوية تسع مؤسسات وطنية.
تضم لجنة السلامة الأحيائية وزارتي البيئة والزراعة، والمؤسسة للغذاء والدواء، ومؤسسة المواصفات والمقاييس، والمركز الوطني للبحث والإرشاد الزراعي، والجمعية العلمية الملكية، وجامعتين لديهما خبرة في مجال التقنيات الحيوية الحديثة. تستهدف اللجنة وضع سياسات وطنية خاصة بالتعديل الجيني، وإقرار تشريعات ذات صلة، واتباع إرشادات ومقاييس الأمان، والمراجعة الدورية لها.
تضم لجنة السلامة الأحيائية وزارتي البيئة والزراعة، والمؤسسة للغذاء والدواء، ومؤسسة المواصفات والمقاييس، والمركز الوطني للبحث والإرشاد الزراعي، والجمعية العلمية الملكية، وجامعتين لديهما خبرة في مجال التقنيات الحيوية الحديثة. تستهدف اللجنة وضع سياسات وطنية خاصة بالتعديل الجيني، وإقرار تشريعات ذات صلة، واتباع إرشادات ومقاييس الأمان، والمراجعة الدورية لها.
تنص التعليمات على أن تجتمع اللجنة مرّة كل ثلاثة أشهر، وكلما دعت الحاجة إلى ذلك. لكن هذه اللجنة لم تجتمع إلا مرتين منذ تشكيلها عام 2009.
وزير البيئة السابق ياسين الخياط (2011- 2012) و(2016-2018) يدافع عن وزارته، ويقول: «دور وزارة البيئة تنسيقي بحت بين الجهات المعنية فقط لا غير، وعدم اجتماع اللجنة لا يعني أنه ليس هناك عمل ميداني، وعمل حقيقي في هذا الموضوع من ناحية الرقابة على الأسواق وأخذ العينات وفحصها».
وفي ذات الوقت يؤكد الخياط أن عدم اجتماع اللجنة «غير منصف ولا يجوز، يعني أنا أقرّ». الخياط الذي أجريت معه المقابلة، أثناء وجوده في المنصب، يضيف: «لا أعلم ما هي أسباب عدم اجتماع اللجنة بما فيه الكفاية».
أما وزير البيئة الأسبق خالد الإيراني الذي تولى وزارة البيئة خلال (2005- 2009) و(2010-2011)، فيرجع عدم اجتماع اللجنة إلى أسباب متعددة: «اختلاف الأولويات لدى الحكومات المتعاقبة، كون اللجنة ضمن تعليمات وليس قانون. وهذا يضعف مطالبة الوزير باجتماع اللجنة الوطنية». يضيف إلى ذلك «عدم الاهتمام والمعرفة بالموضوع» من بعض المؤسسات.
يخالف رشايدة ما ذهب إليه الوزيران، ويوضح أن وزير البيئة هو المسؤول عن دعوة اللجنة للاجتماع، والمؤسسة عضو من ضمن مجموعة أعضاء. ويؤكد أن مؤسسة الغذاء والدواء حاولت تحريك المياه الراكدة وخاطبنا وزارة البيئة حديثًا لإحياء الموضوع ودراسته للخروج بقرار.
عضو الهيئة الإدارية في الجمعية العربية لحماية الطبيعة رزان زعيتر -جمعيتها عضو في اللجنة- ترى أن تغيير الحكومات المستمر، يأتي بوزراء ليسوا مطلعين على الموضوع، وبعضهم لا يدرك أهميته، وبالتالي اللجنة «رُكنت على الرف».
تنتقد زعيتر غياب الإرادة السياسية لهذا الموضوع، وضعف التنسيق بين مؤسسات الدولة وتقصيرها: «هناك هوة بين صناع القرار، يعني مفيش تنسيق بين مؤسسات الدولة ليطلعوا بقرارات موحدة، حتى نعرف نشتغل»، وتزيد: «بتروح على المواطن بالنهاية».
المقاييس بلا مواصفات
مؤسسة المواصفات والمقاييس لا تسمح أيضًا بدخول الأغذية المعدلة جينيًا. مدير عام مؤسسة المواصفات والمقاييس السابق حيدر الزبن يعلّل ذلك بأن «الأغذية المعدلة جينيًا، لا يوجد لها قواعد فنية في الأردن، ولا يوجد لها تعليمات، والسبب أنه لم يثبت علميًا لدى المؤسسة أن هناك أمان حتى تدخل للمواطن الأردني ويتم تداولها، دون تأثيرها على صحته».
ويشدد أن مسؤولية المؤسسة العامة للغذاء والدواء الرقابة على الغذاء سواء أكان معدلًا جينيًا أم لا. ويضيف: «مؤسسة الغذاء والدواء تحتاج إلى مواصفة قياسية، مشان تبني رقابتها على الحدود أو داخل الأردن».
يقول الزبن: «نقدر نعمل كل التقارير والمواصفات خلال فترة بسيطة، والغذاء والدواء تصدر تعليمات، وأنظمة ضابطة، لكن هل لدينا إمكانية حقيقة لضبط هذه الأمور».
وبينما ترى زعيتر أن التقصير غير مبرر، بسبب نقص الكوادر، والأجهزة اللازمة لتبيان محتوى المواد، يؤكد الناشط البيئي بشار زيتون أن المشكلة تقع على عاتق المؤسسات والوزارات المعنية، مطالبًا إياها بإيجاد نظام للفحص الدوري للأغذية المستوردة، للكشف عن وجود تعديل جيني.
حق المستهلك المهدور
ترى زعيتر أن من حق الناس معرفة ما تأكله: «لو مش خايفين إنه الناس تبطل تاكله، كان بحطوا إنها معدّل جينيا».
بينما ينفي الصدر ثبوت أضرار من الأغذية المعدلة جينيًا على صحة الإنسان في الوقت الحالي، يقول: «هذا لا يعني أنه لا يوجد تأثير بعد 200 سنة، ممكن يكون في تأثير مع مرور الزمن، وهذا من الصعب التنبؤ به إلا عند حدوثه».
نقيب تجار المواد الغذائية خليل الحاج توفيق يؤكد أن السلطات الرسمية لم تعاقب تجارًا بسبب عدم وجود بطاقة بيان صحيحة على علب الذرة الحلوة، ولم تصل أي شكوى للنقابة أو النقيب ولم تأت شكاوى أيضًا من الجهات الرقابية.
ضغوط أمريكية
التقى المدير الإقليمي لوزارة الزراعة الأمريكية في السفارة الأمريكية بالقاهرة مطلع عام 2018 بمدير عام المؤسسة العامة للغذاء والدواء هايل عبيدات، وبعض المسؤولين هناك، في مقر المؤسسة، وطلب منهم صراحة السماح بإدخال أغذية معدلة جينيًا، بحسب مصدر مسؤول في المؤسسة رفض ذكر اسمه.
لا ينكر مدير مديرية الغذاء في المؤسسة أمجد رشايدة وجود ضغوط لم يحدد مصدرها، لفتح باب الأسواق الأردنية أمام الأغذية المعدلة جينيًا. ويقول: «العالم بشتغل على أساس تجاري، وهو بحاجة إلى تسويق هذه المنتجات» في الأردن وجواره.
بحسب رشايدة، لا توجد خطط لدى المؤسسة لاتخاذ إجراء سريع استجابة لهذه الضغوط. ويؤكد أن قرار السماح بتداول الأغذية المعدلة جينيًا من عدمه، ربما يحتاج إلى ثلاث سنوات.
المتحدث باسم مكتب الشؤون الزراعية في السفارة الأمريكية بعمّان إريك باربي، أوضح أن السفارة الأمريكية ليس لديها أي معلومات تتعلق بدخول علب الذرة الحلوة إلى الأردن، وذلك في معرض إجابته على سؤال حول الضغوط الأمريكية التي تمارس على المؤسسة العامة للغذاء والدواء لتشريع دخول المنتجات المعدلة وراثيًا إلى البلاد.
وتابع أن المكتب يرتبط بمؤسسات القطاعين العام والخاص، ويعمل على تسهيل التعاون في القطاع الزراعي بين الولايات المتحدة والأردن.
في مايو/ آيار 2018، أقرّت اللجنة العليا للغذاء بالإجماع تعليماتٍ خاصة تسمح بإدخال الأغذية المعدلة جينيًا. يقول عضو اللجنة نقيب الأطباء البيطريين مهدي العقرباوي إن التعليمات تستهدف تنظيم دخول الأغذية المعدلة جينيًا إلى الأردن، لكنّه ينفي تعرض اللجنة لأي ضغوطات من أي جهة.
ولكي تصبح هذه التعليمات سارية، تحتاج إلى موافقة مجلس إدارة المؤسسة، ونشرها في الجريدة الرسمية، سندًا لقانون المؤسسة الصادر عام 2008.
*ساهم في إنجاز هذا التحقيق: روان نخلة، ومختار الإبراهيم.
أنجز هذا التحقيق بدعم وإشراف شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج).
تحقيق: أمل الهدهد ومصعب الشوابكة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكرك على الإطلاع على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ، ولو إسما مستعارا ; للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو مراعاة أخلاق المسلم ; حتى لا نضطر لحذف التعليق
تقبل أجمل تحية
ملاحظة :
يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..