الاثنين، 22 يونيو 2015

شرح حديث (البيعان بالخيار مالم يتفرقا...) من رياض الصالحين للعثيمين رحمه الله

 عن أبي خالد حكيم بن حزام ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :](( البيعان بالخيار ما لم يفرقا ، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما ، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما ) ]
لشرح
(( البيعان )) أي : البائع والمشتري ، وأطلق عليهما أسم البيع من باب التغليب ، كما يقال : القمران : للشمس والقمر ، والعمران : لأبي بكر وعمر ، فالبيعان يعني : البائع والمشتري .
وقوله : (( بالخيار )) أي : كل منهما يختار ما يريد ما لم يتفرقا ، أي : ما دام في مكان العقد لم يتفرقا فإنهما بالخيار .
ومثاله : رجل باع على آخر سيارة بعشرة آلاف ، فما داما في مكان العقد ولم يتفرقا فهما بالخيار ، إن شاء البائع فسخ البيع ، وإن شاء المشتري فسخ البيع ، وذلك من نعمة الله ـ سبحانه وتعالى ـ وتوسيعه على العباد ، لأن الإنسان إذا كانت السلعة عند غيره صارت غالية في نفسه يحب أن يحصل عليها بكل وسيلة ، فإذا حصلت له فربما تزول رغبته عنها لأنه أدركها النبي صلي الله عليه وسلم فجعل الشارع له الخيار لأجل أن يتروى ويتزود بالتأني والنظر .
فما دام الرجلان ـ البائع والمشتري ـ لم يتفرقا فهما بالخيار وإن طال الوقت ، حتى بقيا عشر ساعات ، فلو باع عليه السلعة في أول النهار وبقيا مصطحبين إلى الظهر فهما بالخيار ؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : (( ما لم يتفرقا )) وفي حديث ابن عمر : (( أو يخير أحدهما الآخر )) ( 1 ) أي : أو يقول أحدهما للآخر : الخيار لك وحدك ، فحينئذ يكون الخيار له وحده ، والثاني لا خيار له . أو يقولا جميعا : لا خيار بيننا .
فالصور أربع :
1 ـ إما يثبت الخيار لهما ، وذلك عند البيع المطلق الذي ليس فيه شرط ، يكون الخيار لهما ـ للبائع والمشتري ـ وكل منهما له الحق أن يفسخ العقد .
2 ـ وإما أن يتبايعا على أن لا يكون الخيار لواحد منهما ، وحينئذ يلزم البيع لمجرد العقد ولا خيار لأحد .
3 ـ وإما أن يتبايعا أن الخيار للبائع وحده دون المشتري ، وهنا يكون الخيار للبائع ، والمشتري لا خيار له .
4 ـ وإما أن يتبايعا على أن الخيار للمشتري والبائع لا خيار له ، وحينئذ يكون الخيار للمشتري ، وليس للبائع خيار . وذلك لأن الخيار حق للبائع والمشتري فإذا رضينا بإسقاطه أو رضي أحدهما دون الآخر ، فالحق لهما لا يعدوهما ، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( المسلمون على شروطهم إلا شرطا حرما حلالا أو أحل حراما )) ( 1 ) .
وقول النبي عليه الصلاة والسلام : ( ما لم يتفرقا )) لم يبين التفرق ، ولكن المراد التفرق بالبدن ، يعني ما لم يتفرق أحدهما عن الآخر ، فإن تفرقا بطل الخيار ولزم البيع .
قال النبي صلي الله عليه وسلم : (( فإن صدقا وبيتا بورك لهما في بيعهما )) وهذا هو الشاهد من الحديث في الباب ؛ لأن الباب باب الصدق .
قوله : (( فإن صدقا وبينا بورك في بيعهما )) . (( إن صدقا )) فيما يصفان السلعة به من الصفات المرغوبة ، (( وبينا )) فيما يصفان به السلعة من الصفات المكروهة . فمثلا لو باع عليه هذه السيارة وقال: هذه السيارة جديدة صنع عام كذا، ونظيفة وفيها كذا وكذا، ويمدحها بما ليس فيها، نقولا: هذا كذب فيما قال: وإذا باعه السيارة وفيها عيب ولم يخبره بالعيب نقول: هذا كتم ولم يبين. والبركة في الصدق والبيان. فالفرق بين الصدق والبيان أن الصدق فيما يكون مرغوباً من الصفات، والبيان فيما يكون مكروها من الصفات، فكتمان العيب هذا ضد البيان، ووصف السلعة بما ليس فيها هذا ضد الصدق.
ومثال آخر : باع عليه شاة ويقول: هذه الشاة لبنها كثير، وفيها كذا وكذا في اللبن، وهو يكذب ، فهذا ضد الصدق؛ لأنه وصف السلعة بصفات مطلوبة مرغوبة، أما لو باع عليه الشاة وفيها مرض غير بين لكنه كتمه، نقول: هذا لم يبين. وإذا وصفها بما ليس فيها من الصفات المطلوبة فهذا قد كذب ولم يصدق، فالبيان إذا للصفات المكروهة ، والصدق للصفات المطلوبة، إذا وصفها بما ليس فيها من الصفات المطلوبة فهذا قد كذب ولم يصدق، وإذا كتم ما فيها من الصفات المكروهة فهذا كتم ولم يبين.
ومن هذا ما يفعله بعض الناس الآن - نسأل الله العافية- يجعل الطيب من المال فوق والرديء أسفل، فهذا لم يبين ولم يصدق أيضاً، لم يبين لأنه ما بين التمر المعيب، ولم يصدق لأنه أظهر التمر بمظهر طيب وليس كذلك.
ومن هذا ما يفعله بعض الذين يبيعون السيارات، يبيعونها في المعارض، والبائع يعلم علم اليقين أن فيها عيباً، لكن يكتمه ويقول للمشتري : ابصر بكل عيب فيها، فيبصر المشتري. لكن لو عين له العيب وحدده له ما اشتراها ، وإنما يلبسون على الناس ويقولون لهم: فيها كل عيب ولم لأبع إليك إلا الإطارات أو مصابيح الإنارة، وهو يكذب ويدري ان فيها عيباً لكن لا يخبر المشتري، وهذا حرام على الدلال( صاحب المعرض) وصاحب السيارة، فعليهما أن يبينا للمشتري ويقولا له: فيها العيب كذا وكذا ويخبرانه في الشراء.
أما إذا كان لا يعلم العيب فلا بأس أن يبيعها، ويشترط أنه بريء من كل عيب.


_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكرك على الإطلاع على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ، ولو إسما مستعارا ; للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو مراعاة أخلاق المسلم ; حتى لا نضطر لحذف التعليق
تقبل أجمل تحية
ملاحظة :
يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..