الاثنين، 22 يونيو 2015

الخيارات في البيع

  تعريفه:
لغة: هو الاختيار.
واصطلاحًا: هو إثبات حق إمضاء العقد أو فسخه.

وقيل: هو طلب خير الأمرين من الإمضاء أو الإلغاء.
الحكمة منه:
الأصل في عقد البيع أنه إذا وجدت أركانه وتحققت شروطه أن ينعقد مبرمًا بحيث تنتقل ملكية المبيع إلى المشتري وملكية الثمن إلى البائع، إلا أن الشارع راعى مصالح المكلفين فشرع الخيارات رحمة بالمتعاقدين لضمان رضاهما وحفظ مصلحتهما ودفع الضرر عنهما، ومن أجل نفي المنازعات والخصومات وذلك من أهم مقاصد الشريعة، وكذلك من أجل تحقيق العدل ومنع الظلم في المعاملات والوصول إلى تمام الرضا والتوسعة على العاقدين.

الخيارات المشروعة: أوصل الفقهاء الخيار إلى ما يقارب العشرين نوعًا أهمها أربعة وهي:
1- خيار المجلس.
2- خيار الشرط.
3- خيار العيب.
4- خيار الرؤية.

وفيما يلي تفصيل الكلام عنها:
أولاً: خيار المجلس:
(ولقد سبق الحديث عنه).

ثانيًا: خيار الشرط:
تعريفه: وهو أن يشترط أحد المتعاقدين أو كل منهما أن له الخيار - أي حق فسخ العقد أو إمضائه - خلال مدة معلومة.

ويمكن أن يشترط ذلك مع العقد، ويمكن أن يشترط بعده ولكن قبل مفارقة مجلس التعاقد.

وسمي خيار الشرط لأن سببه اشتراط العاقد.

حكمته:
شُرع للحاجة إليه، ولدفع الغبن والضرر عن العاقد في البيوع.

دليله:
أن حِبّان بن منقذ الأنصاري كان يُغبن في البياعات بسبب ضربة سيف أصابت رأسه فثقل بذلك نطقه وضعف إدراكه، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا بايعت فقل: لا خلابة))، وفي رواية: ((ولي الخيار ثلاثة أيام)) أخرجه البخاري، والخلابة: هي الخديعة أو الخداع، ولحديث: ((المسلمون على شروطهم)).

حكمه:
قال بجواز خيار الشرط جماهير العلماء، ولكنهم اختلفوا في مدته.

فقال الحنفية والشافعية[1]: لا تزيد مدة الخيار على ثلاثة أيام لأنه نص الحديث، ولأن الحاجة تتحقق بذلك غالبًا، فإذا زاد على ذلك بطل العقد عند الشافعية وقيد عند أبي حنيفة.

وقال الحنابلة والصاحبان[2]: مدة الخيار بحسب الاتفاق بين المتعاقدين ولو زادت على ثلاثة أيام؛ لأن الخيار مشروع للتروي والمشورة وقد لا تكفي لها هذه المدة، والتحديد الوارد في الحديث قالوا إنه خاص بحبان لأنه كان يكفيه ذلك.

وقال المالكية[3]: يجوز الخيار بقدر ما تدعو إليه الحاجة وتختلف باختلاف الأموال، فالفاكهة خيارها لا يزيد على اليوم لأنها تفسد، والثياب والدواب ثلاثة أيام، والدور شهر...

اشتراط الخيار لأجنبي:
كما يصح للعاقد أن يشترط الخيار لنفسه يصح له أن يشترطه لأجنبي، أي لغيره ممن لا صلة له بالعقد: وذلك لأن الخيار شرع للحاجة والمصلحة لدفع الغبن والضرر عن العاقد، وربما لا يتحقق ذلك لو كان الخيار له لعدم خبرته بينما غيره يكون أعرف.

متى يسقط خيار الشرط:
ينتهي خيار الشرط بواحد من الأمور التالية:
1- إمضاء العقد أو فسخه مدة الخيار بالقول أو الفعل.

2- بانتهاء المدة المشروطة دون إجازة أو فسخ: لزم العقد وسقط الخيار.

3- هلاك المبيع أو تعيبه الظاهر في يد صاحب الخيار: فإن كان الخيار للبائع بطل البيع، وإن كان للمشتري لزم البيع.

4- موت صاحب الحق في خيار الشرط، وهذا عند الحنفية والحنابلة[4]؛ لأن خيار الشرط عندهم لا يورث، وقال المالكية والشافعية[5]: لا يسقط الخيار بالموت بل ينتقل إلى الورثة؛ لأنه حق متعلق بالمال وهو المعقود عليه، والحقوق المالية تورث لحديث: ((من ترك مالاً أو حقًّا فلورثته)) أحمد وغيره.

ثالثًا: خيار العيب:
الأصل في تعامل المسلم مع غيره النصح وعدم الغش؛ لأن في الغش أكلاً لأموال الناس بالباطل، كما حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من الغش أشد تحذير حين قال: ((من غش فليس منا)) أخرجه مسلم.

تعريف خيار العيب:
هو أن يكون لأحد المتعاقدين الحق في منع العقد أو إمضائه إذا وجد عيبًا في أحد البدلين.

كأن يجد الحيوان الذي اشتراه مريضًا، أو السيارة معطلة وبها عيب.

دليله:
سبب ورود الحديث السابق، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرّ في السوق على صبرة طعام، فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً فقال: ((ما هذا يا صاحب الطعام؟))، قال: يا رسول الله، أصابته السماء، فقال: ((ألا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غش فليس مني)) مسلم.

وحديث: ((المسلم أخو المسلم، ولا يحل لمسلم باع من أخيه بيعًا فيه عيب إلا بيّنه له)) ابن ماجه.

ويلحق غير المسلم به استدلالاً لعموم الأحاديث، ولأن الأخلاق في الإسلام أخلاق ذاتية إنسانية، يجب التخلق بها مع المسلم وغيره.

ويستدل لخيار العيب بحديث المصراة الذي سبق، وكذلك يستدل لهذا بالمعقول: فإن الأصل في البيع أنه على شرط السلامة، وأن المشتري ما بذل كامل الثمن إلا ليسلم له كامل المبيع لتحصل المقابلة بين الثمن والمثمن وتلك رغبة المشتري الذي رضي بالبيع، فإذا اختل شيء من ذلك بسبب العيب فقد فات مقصوده ولم يتحقق رضاه، فثبت له حق الفسخ ورد المبيع واسترداد الثمن.

شروط ثبوت خيار العيب:
1- أن يثبت أن العيب قديم وليس بحادث.
2- أن يكون العيب منقصًا لقيمة المبيع في عرف التجار.

متى يكون الرد بخيار العيب:
يثبت خيار العيب بمجرد ظهور العيب ولو بعد العقد بمدة طويلة، أما وقت فسخ العقد بعد العلم ففيه رأيان للفقهاء:
أ- المالكية والشافعية[6]: قالوا يجب الفسخ فورًا بعد العلم بالعيب حتى لا يلحق الضرر بالبائع بسبب التأخير، فإذا تأخر المشتري بما يعتبر تراضيًا سقط حقه في ذلك.

ب- الحنفية والحنابلة[7]: قالوا خيار العيب على التراخي، فلا يسقط حتى يوجد منه ما يدل على الرضا؛ لأن هذا الخيار شرع لدفع الضرر فلا يبطل بالتأخير.

حكم العقد المشتمل على خيار العيب:
حكمه اللزوم والإمضاء فيلزم تملك العاقدين للبدلين، إلا أنه ثبت لمن له الخيار الحق في الرد إن شاء، وإن شاء رضي بالمعقود عليه كما هو، ولكن اختلف الفقهاء فيما إذا أراد الاحتفاظ بالمعقود عليه والمطالبة بفرق النقصان بسبب العيب، والراجح أنه لا حق له ما دام الرد ممكنًا إلا إذا تراضيا على ذلك.

هل يحتاج الفسخ إلى حكم القاضي[8]؟
قال الحنفية: لا يفسخ العقد إلا بالتراضي أو حكم القاضي.

وقال الشافعية والحنابلة: ينفسخ العقد بقول صاحب الخيار: "رددت" بغير حاجة إلى التراضي أو حكم الحاكم.

شرط البراءة من العيوب: اختلف العلماء في هذه المسألة اختلافًا كبيرًا، والراجح - والله أعلم - أن شرط البراءة من العيب يصح في كل عيب لا يعلم به البائع، أما ما يعلم به فلا يصح البراءة منه.

رابعًا: خيار الرؤية:

تعريفه: هو إثبات حق المشتري في إمضاء العقد أو فسخه عند رؤية المعقود عليه إذا لم يكن رآه عند العقد أو قبله.

دليله: حديث: ((من اشترى شيئًا لم يره فهو بالخيار إذا رآه)) - الدارقطني، وقال عنه: باطل -، واستدلوا له بما روي أن سيدنا عثمان باع أرضًا له من طلحة لم يكونا رأياها، فقيل لعثمان: غبنت، فقال: ((لي الخيار لأني اشتريت ما لم أره))، فحكّما في ذلك جبير بن مطعم فقضى بالخيار.

ولقد اختلف العلماء في الأخذ به فقال به الجمهور[9] وخالف في ذلك الشافعية، وقال الشافعي[10]: لا ينعقد بيع الغائب أصلاً سواء كان بالصفة أم بغير الصفة، ولا يثبت خيار الرؤية لأن في العقد غررًا وجهالة، ولأن الحديث المستدل به ضعيف.

لمن يثبت خيار الرؤية؟
يثبت الخيار للمشتري عند رؤية المبيع، لا قبلها، ولو أجاز العقد قبل الرؤية لم يلزم العقد ولا يسقط الخيار، أما لو فسخ قبل الرؤية صح الفسخ لا من أجل الخيار ولكن لأن العقد يصير غير لازم.

بيع الأنموذج[11]: الأشياء التي تباع على حسب أنموذجها تكفي رؤية الأنموذج منها، فإن تبين أن البيع دون الأنموذج يكون مخيرًا بين قبوله بالثمن المسمى أو رده.

وحكمه أنه يجوز عند الجمهور، ولا يجوز عند الحنابلة والظاهرية لأنه يشترط عندهم رؤية مقارنة للبيع وذلك برؤية جميع المبيع.

أثر خيار الرؤية:
قال الحنفية[12]: يكون العقد غير لازم لمن ثبت له الخيار، فيخير بين الإمضاء والفسخ عند رؤية المعقود عليه سواء وجده مطابقًا أو مخالفًا للموصوف.

وقال الحنابلة والمالكية[13]: إذا أثبتت الرؤية أن المعقود عليه مطابق للموصوف يكون العقد لازمًا للمشتري، وإذا كان مخالفًا للموصوف ثبت له الخيار وهو الراجح.

وهناك أنواع أخرى من الخيارات بعضها داخل في بعض ما تقدم، نوجزها فيما يلي[14]:
1- خيار الوصف:
وهو أن يشتري شيئًا له وصف محدد لا يعرفه إلا بالتجربة فإذا وجد الوصف المرغوب فيه قبل، وإن لم يجده كان بالخيار، كأن يشتري آلة إلكترونية أصلية - صناعة أمريكية مثلاً - فيكتشف أنها صينية الصنع.

2- خيار النقد:
وهو فرع من خيار الشرط: وهو أن يشترط المتبايعان في عقد البيع بالنسيئة أن المشتري إذا لم يدفع الثمن في الأجل والتاريخ المحدد لا بيع بينهما.

3- خيار الغبن:
ويثبت للمشتري الخيار إذا غُبن في السعر أو في وصف المبيع وغرر به تغريرًا فاحشًا: ويدخل فيه البيوع المنهي عنها التي ذكرناها سابقًا، مثل: تلقي الركبان، وبيع النجش، وتصرية اللبن في ضرع البهيمة، وبيع المسترسل وهو الجاهل بقيمة السلعة ولا يُحسن المماكسة.

4- خيار تعلق حق الغير:
وهو الخيار الثابت لمن له حق في المبيع من دائن مرتهن أو مستأجر: فإذا اشترى رجل دارًا ثم ظهر أنها مرهونة أو مؤجرة، خُير بين الفسخ وعدمه دفعًا للضرر عن نفسه.

اختلاف المتبايعين[15]:
يقع الاختلاف بين المتبايعين في قدر الثمن: بأن يقول البائع: بعتك بمائة، ويقول المشتري: بثمانين، ولا بينة لهما.

أو الاختلاف في الصفة: كأن يقول البائع: كان العبد كاتبًا وأنكره المشتري، أو الاختلاف في الأجل: كأن يقول المشتري: اشتريته بكذا مؤجلاً وأنكره البائع، أو الاختلاف في عين المبيع: كأن يقول: بعتني هذه السيارة، ويقول الآخر:
بل هذه الأخرى.

فإذا اختلفا فالقول قول البائع بيمينه إذا لم تكن بينة المشتري كافية، وإذا أبى البائع الحلف رد اليمين على المشتري ويكون القول له بيمينه، وإن أبى عاد الحق للبائع. واستدلوا له بقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا اختلف المتبايعان ليس بينهما بينة، فالقول ما يقول رب السلعة أو يتتاركان)) أحمد وغيره.

ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لو يُعطى الناس بدعواهم، لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن البينة على المدعي، واليمين على من أنكر)).

ودليل رد اليمين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((رد اليمين على طالب الحق)) الدارقطني.

وهناك رأي آخر يقول بأنهما يتحالفان: يحلف البائع أولاً، ثم يحلف المشتري، ولكل من المتبايعين بعد التحالف الفسخ إذا لم يرض أحدهما بقول الآخر، وإن رضي أحدهما بقول الآخر، أو حلف أحدهما ونكل الآخر أقر العقد.

مراجع مساعدة:
1- بدائع الصنائع (5/228).
2- القوانين الفقهية (164).
3- مغني المحتاج (2/30، 94).
4- كشاف القناع (3/180-236).
5- الفقه الإسلامي وأدلته (4/519-522).
6- المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية (377-381).
7- ضوابط العقد في الفقه الإسلامي (266-292).
8- الملكية ونظرية العقد، محمد أبو زهرة (420-461).


[1] بدائع الصنائع (5/174)، مغني المحتاج (2/47).
[2] المغني (3/585)، فتح القدير (5/111).
[3] بداية المجتهد (2/207) ، حاشية الدسوقي (3/91).
[4] بدائع الصنائع (5/268)، المغني (3/579).
[5] القوانين الفقهية (273)، المهذب (1/259).
[6] المهذب (1/274)، حاشية الدسوقي (3/127).
[7] حاشية ابن عابدين (4/93) ، المغني (4/144).
[8] المهذب (1/274)، حاشية الدسوقي (3/127).
[9] بدائع الصنائع (5/292)، حاشية الدسوقي (3/25)، المغني (3/580).
[10] المهذب (1/236)، مغني المحتاج (2/18).
[11] انظر: تبيين الحقائق (4/26)، المجموع (9/327)، كشاف القناع (3/152).
[12] فتح القدير (5/141).
[13] القوانين الفقهية (256)، المغني (3/584).
[14] راجع المراجع التالية إن أردت التفصيل:
الفقه الإسلامي وأدلته (4/519-522).
المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية (377-391).
ضوابط العقد في الفقه الإسلامي (266-292).
[15] انظر المراجع التالية :
القوانين الفقهية (164)، كشاف القناع (3/236)، مغني المحتاج (2/564).
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكرك على الإطلاع على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ، ولو إسما مستعارا ; للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو مراعاة أخلاق المسلم ; حتى لا نضطر لحذف التعليق
تقبل أجمل تحية
ملاحظة :
يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..