2013/03/04
– شركات كبرى تسوق منتجات منتهية الصلاحية وتستخدم زيوتا ومواد حافظة..
– الغذاء والدواء تمنح تصاريح لمصانع لاستخدام مواد مخالفة للمواصفة الأردنية داخل منتجاتها..
– فحوص مخبرية على عينات من منتجات 14 مصنعا يكشف مخالفات للمواصفة الأردنية..
في أحد “المولات” يوضب معين
رفوف الثلاجة في قسم الألبان بدقة صباح كل يوم، يملأ الفراغات بالبضاعة
الجديدة ويعيد ترتيب القديم منها بطريقة جذابة، التواريخ القديمة أولا
والجديدة في الخلف.
تلتقط أم محمد
علبة اللبن المتوسطة في هذا المول غرب عمان دون أن تنظر إلى تاريخها. تضعها بالسلة وتمضي لبيتها.
في البيت تفتح أم محمد علبة
اللبن وتطعمها لابنها، إذ تعتبر وجبته الأساسية في الصباح بجانب البيض،
تغلق بإحكام ما تبقى من علبة اللبن وتضعها داخل الثلاجة.
حال أم محمد يشبه حال آلاف
السيدات في الأردن، يطعمن أبناءهن منتجات ألبان صباح كل يوم، دون أن يعرن
أي اهتمام لمكوناتها أو مدى تأثيرها على اطفالهن.
هذا التحقيق – الذي انجز
ميدانيا على مدى تسعة اشهر يرصد تجاوزات بيئية وصحية، داخل سبعة مصانع
ألبان آلية تقع في محافظتي عمان والزرقاء من أصل 85 مصنعا ومعملا في
البلاد، ويوثق بالصوت والصورة تزوير تواريخ انتاج لبعض هذه المنتجات عبر
استعانة كاتبة التحقيق بصحفي ومتطوعة للعمل داخل مصنعي ألبان.
يظهر التحقيق ايضا انتشار
منتجات ألبان غير صحية في الأسواق لاحتوائها على “مواد
حافظة وزيوت مهدرجة”، يحظر استخدامها في صناعة الألبان وفق المواصفة
الأردنية، بحسب التحاليل المخبرية التي أجريت على 14 عينة من منتجات ألبان
تابعة لمصانع مختلفة. وكذلك افتقار بعض المصانع المنتجة لأدنى معايير
النظافة والجودة، ما يؤثر سلبا على صحة المواطن، في ظل قلّة كوادر التفتيش
وضعف الرقابة من قبل المؤسسة العامة الغذاء والدواء.
تتضارب الأرقام حول مصانع
الألبان والمعامل في الأردن. فبحسب إحصائية مؤسسة الغذاء والدواء لعام
2012، هناك 85 مصنعا ومعملا، في حين أن التعداد العام للمنشآت الاقتصادية
لعام 2011، يوثق 754 مصنعا ومعملا. تتمركز هذه المنشآت في إربد، حيث يبلغ
العدد 424، تليها عمان 100، والزرقاء 63 منشأة. ويعود التضارب لعدم تسجيل
جميع المصانع نصف الآلية المنتجة للألبان ومشتقاته بشكل رسمي لدى الجهات
الرقابية.
في المقابل لا تزيد أعداد كوادر
التفتيش والرقابة التابعة لمؤسسة الغذاء والدواء (الموظفون بدوام كامل) عن
168 موظفا، فيما يبلغ عدد المشرفين في وزارة الصحة (دوام جزئي) 268 موظفا.
انتاج
مصانع الألبان والمعامل يقدر ب 241.65 طنا سنويا، بحسب دائرة الإحصاءات
التي تعتمد في قياسها على كميات الحليب المباعة من مزارع الأبقار المحلية
للمنتجين. فيما يبلغ مجموع إنفاق المملكة على الألبان ومنتجاتها والبيض ما
يقارب 463 مليون دينار سنويا، بحسب مسح نفقات ودخل الأسرة لعام 2010.
إطار (مصانع الألبان وانتاجها)
تعريف المصنع: هو المؤسسة الغذائية المعنية بتصنيع الغذاء بالطريقة الاتوماتيكية بخط انتاج متصل، تدخل المواد الاولية وتخرج معبأة.
المعمل: تكون كمية انتاجه
محدودة وتتم بالطريقة اليدوية التقليدية، وتندرج تحت بند ترخيص المعامل
والمصانع الغذائية وهي شروط صادرة بموجب قانون الرقابة على الغذاء.
بدأت رحلة التحقيق بالبحث عن
مصانع يمكننا دخولها لتصوير عالم صناعة الألبان. أحد مصانع مدينة
الزرقاء كان خيارنا الأول. فقد استغللنا إعلان المصنع عن حاجته إلى ” عامل”
لنستعين بالزميل محمد طعاني للعمل داخل المصنع، ويوثق بالكاميرا المخفية
وقائع مخالفات جسيمة تحدث بعيدا عن أعين الرقابة.
قبل أن تتم الموافقة على تعيين
طعاني طلب منه اصدار “شهادة صحية”، وجدنا في هذا الطلب بوادر خير بأن
الشركة تطبق المعاير الصحية وتلتزم بمعاير العمل بدقة. لكن واقع حال المصنع
كشف امورا مختلفة تماما.
مصنع أشبه بكراج سيارات
صوت الماكنات يحجب صوت المهندس
الذي ما انفك ينادي على أحد العمال حتى يعطيه “المفك” لإصلاح الآلة التي
تتعطل كل نصف ساعة داخل مصنع مضى على انشائه نصف قرن، لتهرق اللبن على
الأرض حتى يتخمر، وسط رائحة تزكم الأنوف.
منافذ عديدة داخل المصنع، وكل
غرفة تصلك بباب آخر. تحت الدرج تكمن “غرفة المرتجعات”، هنا يتم إعادة فتح
علب اللبن المرتجعة من الأسواق لانتهاء فترة صلاحيتها، وإعادة تحويلها
لمنتجات أخرى – لبنة وجبنة- عبر تفريغ محتواها بوعاء كبير.
يتجول العمال داخل المصنع براحة كاملة. أثناء استراحتهم يهيمن موضوع الآلات المعطلة على نقاشاتهم.
غرفة واحدة يمنع على هؤلاء العمال دخولها تعرف ب “غرفة الغسيل”.
تمكنا من دخولها، فوجدناها
مليئة بعلب اللبن الفارغة. في وسطها كان ثمة وعاء ضخم امتلأ بالصابون
والماء تغسل فيه العلب قبل إعادة تعبئتها من جديد، يتطاير الذباب بالغرفة
فيما تستوطن المكان رائحة للبن كريهة.
تبدو دورة المياه في المصنع
متهالكة تماما، تفوح منها الروائح المنفرة، لا تحتوى على مواد معقمة او
صابون للغسول قبل مغادرة الحمام، رغم ملامسة يد عمال لا يرتدون القفازات
لمنتجات اللبن ومكوناته بشكل متواصل خلال عمليات الانتاج.
حوار طويل دار بين
العامل والمهندس داخل المصنع حول وضع تاريخ متقدم بيوم أو يومين عن
التاريخ الحقيقي للإنتاج على العبوة، ليتم الاتفاق على “يومين”.
تبدأ عملية دخول العبوات تحت ”
آلة الختم” لتأخذ تاريخ انتاج متقدم عن تاريخها الحقيقي، تنقل الصناديق الى
السيارات مبردة خلال ساعات الصباح الأولى، ويتم ارجاع العبوات منتهية
الصلاحية الى المصنع بعد الظهر لإعادة تصنيعها.
حالة من الارتباك أصابت العمال،
لحظة وصول سيارات الشرطة البيئية، ومراقبي الصحة في بلدية الزرقاء للكشف
على العينات الموجودة بالثلاجات. الجميع يتراكض في المكان، البعض يبحث عن
أدوات التنظيف، فيما يسرع آخرون نحو الثلاجات لإخلائها قبل ان تبدأ عملية
التفتيش.
ساعة من التفتيش بالمصنع، كانت
كفيلة بإتلاف كميات كبيرة من منتجات الألبان لانتهاء مدة الصلاحية، ووضعها
في وعاء كبير من قبل المفتشين ومن ثم نقلها إلى حاويات القمامة خارج
المصنع، وتحرير مخالفة بحق المصنع وتحويله إلى المحكمة.
بعد خبرة 30 عاما في الأسواق
الأردنية والعمل بشركات ألبان مشهورة في محافظة الزرقاء ومنطقة صويلح في
عمان، يرى مدير المبيعات والتسويق، الذي فضل أن نسميه “حسام” رغبة منه في
حماية نفسه، أن العديد من الشركات الأردنية لا تلتزم بمعايير الصحة وتطبيق
المواصفة على كل منتج.
من جهته يؤكد مدير عام مؤسسة
الغذاء والدواء الدكتور هايل عبيدات أن مؤسسته أصدرت إنذارات بحق 139
مصنعا خلال 2012، و23 مخالفة فيما أغلقت أربعة مصانع. حاولت كاتبة التحقيق
الحصول على اسمائها مفصلة لمقارنتها بالمصانع المخالفة المرصودة بالتحقيق،
إلا ان المؤسسة اصرت عدم منحنا أي معلومة بهذا الخصوص.
المؤسسة العامة للغذاء والدواء
بحسب قانونها، تنذر وتخالف المصانع في الحالات “غير الحرجة” التي لا تؤثر
على صحة المواطن “كعدم الالتزام باللباس داخل المصنع أو عدم الترخيص”،
بينما تغلق المصانع في الحالات الحرجة والتي تؤثر على صحة المواطن، وفي حال
سدّد المصنع قيمة المخالفة وتعهد بإصلاح الاوضاع يعاد فتحه مرة أخرى.
مخالفات في مصانع اخرى
خلال بحثنا توصلنا إلى معلومات
غير مؤكدة تفيد بأن مصنعا في منطقة القويسمة يعمل على شراء مرتجعات منتجات
مصانع أخرى، ويعبئها داخل أكياس ثم يبيعها على أنها من إنتاجه، فقررنا
الاستعانة بالمتطوعة “ر.أ” للعمل داخل المصنع.
جاءت الموافقة على ” ر،أ ”
للعمل داخل المصنع بمهنة “عاملة نظافة”، لم تطلب الإدارة من الموظفة
الجديدة أي أوراق ثبوتية أو شهادة خلو أمراض، ولم تطلب إخضاعها لفحص مخبري
للتأكد من سلامتها الصحية.
لاحظت المتطوعة “ر،أ” وكاتبة
التحقيق، دلائل على بيع المصنع لمنتجات مصانع أخرى، كما هي المعلومات التي
وصلتنا في البداية. فقد طلب من متطوعتنا تفريغ عبوات “جبنة” تابعة لمصنع
آخر، ووضعها داخل أكياس المصنع إياه وإرسالها للثلاجة.
كما رصدت المتطوعة بدقة كيف
يقوم العاملون بتغير تواريخ الإنتاج، إذ يجري تحضير اللبنة، الجبنة، بكميات
كبيرة ووضعها داخل الثلاجات دون تواريخ، ثم يصار إلى اخراج الكميات بحسب
الطلبية القادمة من العميل، وتقوم المشرفة بترتيب الأجبان والألبان داخل
الأكياس دون ارتدائها للقفازات، ثم تضع بطاقة بيان بيوم خروج البضاعة من
المصنع.
في حال نقص كميات اللبن/ة
المطلوبة، يستعين المهندس بالمرتجعات، يقوم بمسح التواريخ القديمة عن
العبوات الموجودة داخل ثلاجة المرتجعات باستخدام “استون”، ووضعها تحت جهاز
طباعة التواريخ، لتأخذ تاريخا جديدا ثم يرسلها للزبون.
عدم امتلاك شهادات صحية
للعاملين في بعض المصانع، رأت فيه مديرة دائرة الرقابة الصحية والمهنية
بأمانة عمان الدكتورة ميرفت مهيرات، مخالفة يعاقب عليها القانون بحسب
المادة “14” من قانون الحرف والصناعات، ويعاقب مدير المصنع المخالف بالحبس
لمدة لا تتجاوز اسبوعا، او بغرامة لا تزيد على عشرة دنانير او بكلتا
العقوبتين.
إطار
بحسب المادة ” 46″ من قانون
الغذاء لعام 2009، ويعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث
سنوات، أو بالغرامة بحيث لا تقل عن ألفي دينار ولا تزيد على خمسة آلاف
دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين كل من أدخل أي تغيير على مدة الصلاحية لأي
غذاء خلافا لما ورد ببطاقة البيان الأصلية لذلك الغذاء، وبدون الحصول على
الموافقة الرسمية.
نتائج فحوص مخبرية لعينات البان تكشف..زيوت مهدرجة ومواد مخالفة للمواصفة
للتأكد من صحة وسلامة منتجات
الألبان المنتشرة في الاسواق الاردنية، أخذت كاتبة التحقيق 14 عينة عشوائية
من محال تجارية مختلفة في العاصمة عمان تابعة لمصانع البان، وحددت نوعية
الفحوصات المخبرية التي ستجريها بناء على استشارة خبير مختص بالألبان.
خضعت العينات لتحاليل مخبرية في
مختبرات الجامعة الاردنية- كلية الزراعة- قسم التغذية والتصنيع الغذائي
كجهة محايدة ومستقلة إداريا وماليا، لصالح وحدة التحقيقات الاستقصائية /
شبكة الاعلام المجتمعي.
كشفت التحاليل التي استغرقت
اسبوعين، عن مخالفة 7 عينات من اصل 14 عينة، لمواصفات التصنيع الاردنية.
مثلا، العينة من لبن النعاج خالفت المواصفة الأردنية المتعلقة باللبن رقم
135/202 “كون نسبة الدسم والمواد الصلبة والكلية اقل من الحد الادنى
المطلوب في اللبن”، فيما كشف الفحص عن مخالفة عينة الشنينة للمواصفة
الاردنية المتعلقة بهذا المنتج رقم 1648/2005 لكونها تحتوي على “مواد حافظة
(حمض البنزويك)”. فيما خالفت عينة الجميد السائل المواصفات الاردنية
المتعلقة بهذا المنتج رقم 1547/2003 لكونها تحتوي على مواد حافظة (حمض
البنزويك). أظهر الفحص كذلك مخالفة عينة الجميد الصلب للمواصفة الاردنية
المتعلقة بهذا المنتج رقم 462/1997 لكون “رطوبتها تزيد على الحد الاعلى
المسموح به (20%)”.
|
واشارت النتائج الى ان “عينات لبن النعاج، جبنة الفيتا، اللبنة التركية تحتوي على زيوت ليست من اصل الحليب.
عرضنا نتائج تحليل العينات المخبرية على الدكتورة سناء قموة، اخصائية صحة وسلامة الغذاء والدواء لمعرفة اثرها على صحة المستهلك.
قموة وصفت النتائج” بغير
الجيدة”. فاحتواء بعض المنتجات على زيوت ليست من أصل الحليب، يدل على
“استخدام الشركات للزيوت المهدرجة”، التي يتم تصنيعها بتسخين الزيوت
النباتية الى درجات حرارة مرتفعة من الضغط، بحيث يتم ضخ غاز الهيدروجين
داخلها بهدف تحويلها من الحالة السائلة الى الحالة الصلبة، وهو ما يسبب
اخطارا صحية على مرضى القلب والضغط، ويجعل الجسم عرضة بشكل اكبر
للالتهابات، واحتمالية الاصابة بالسكري وأمراض القلب، ورفع نسبة الكلسترول
الضار بالدم”.
اما استخدام حمض البنزويك “مواد
حافظة” داخل المنتجات فيؤدي الى إضعاف المناعة في الجسم ويؤثر على الاطفال
بشكل كبير لتناولهم مشتقات الالبان بشكل يومي، وهي مخالفة للمواصفة
القياسية الأردنية، على ما أفادت الخبيرة. فوجود حمض البنزويك بعينة
الشنينة مخالف للمواصفة القياسية الاردنية رقم م ق أ 1648/2005 حيث يشترط
البند 4-13 بعدم السماح “بإضافة المواد الحافظة””، وعينة الجميد السائل
خالفة المواصفة رقم م ق أ 1547/2008 حيث يشترط البند 4-3 من الاشتراطات
القياسية منها ” أن يخلو من المواد الحافظة”.
وجود الزيوت المهدرجة بالمنتجات
مؤشر على استخدام الحليب الباودر المخالف للمواصفة الاردنية ، لأن استخدام
الحليب الطازج لا يستدعي وضع الزيوت المهدرجة للتحسين من جودة المنتج،
بحسب قموة.
ولدى مواجهة مؤسسة الغذاء
والدواء بفحوى النتائج لم تنكر على لسان مديرها الدكتور هايل عبيدات ان
المواد المدرجة اعلاه مخالفة لمواصفات انتاج الألبان وطلبت منها اسماء
المصانع للتحقق مما اظهرته نتائج الفحص اللذي اجري لصالح التحقيق، ومخالفة
المصانع حال ثبت صحته.
الا ان كاتبة التحقيق وجدت من
الوثائق ما يدين مؤسسة الغذاء والدواء بعينها، اذ حصلت على تصاريح صادرة عن
مؤسسة الغذاء والدواء لشركات محددة،تسمح لها بإدخال الزيوت المهدرجة
والمضادات الحيوية في بعض منتجات الالبان كبديل اللبنة وغيرها، تلك
التصاريح نفى عبيدات اللذي لم تزد فترة اشغاله لمنصب المدير الثماني اشهر
توقيعها في عهده. “فيما يلي صورة لأحد التصاريح”.
يستورد ” ك.م” صاحب شركة في
عمان، الزيوت المهدرجة والمواد الحافظة بناء على رخص حصل عليها. أكد لنا
خلال مقابلته انه يزود مصانع الالبان بمادة “النتمايسين” لاستخدامها في
تصنيع “الجبنة”، وهو مضاد حيوي لاطالة امد صلاحيتها، بالاضافة الى تزويدها
“بالزيوت المهدرجة” التي تخلط مع الحليب الباودر لتحسين نوعية الحليب، وقد
رفض تزويدنا بأي وثيقة تتعلق بعملية الشراء ما بين المصنع والشركة، خوفا
على علاقاته التجارية مع تلك الشركات والمصانع.
وقف التعامل مع مصانع الألبان
استياء بعض المستهلكين من عدم
اهتمام مصانع الالبان بجودة المنتجات، قد يؤدي إلى وقف التعامل معها، كما
حصل مع مدير المشتريات بمشفى فرح، محمد العباس.
العباس طلب من مدير المصنع -رفض
ذكر اسمه- وقف تزويد المشفى بالمنتجات، بعد الكشف عن وجود “شوائب وبقايا
شعر” داخل علب اللبن والجبنة المبسترة، وتسليمها غير مبردة للعاملين، وعدم
الانتباه لصحة وسلامة المنتج ونظافته اثناء التسليم.
“في فصل الصيف ترتفع نسبة
المرتجعات لدينا، يرفض صاحب المحل استلام بعض البضائع لرائحتها الكريهة او
عدم تبريدها، نتيجة الحرارة العالية قد تتوقف الثلاجة عن العمل داخل
السيارة” على ما قاله لنا مندوب المبيعات اللذي سمى نفسه سامح خوفا من
انكشاف هويته.
سامح ، يصف اوضاع السيارات
والثلاجات داخل بالمصنع بالكارثية، فلا يوجد اي صيانة دورية لها من قبل
الادارة، مؤكدا انه الحال ذاته في ثلاث مصانع عمل لديها خلال ثلاث سنوات من
خبرته في هذا الوسط.
سوء التخزين مشكلة أخرى..الالبان اكثر العينات رسوبا في امانة عمان
خلال جولة ميدانية على اكثر من
30 محلا، ومخزنا تجاريا توزعت على وسط وشمال منطقة عمان، اثناء التحقيق،
استوقفنا احدها في منطقة جبل النزهة، شرق العاصمة، وهو محل متخصص ببيع
الالبان والأجبان. داخل المحل كانت ثلاجة اللبن معطلة، ليعمل صاحب المحل
على نقل بعض المنتجات الى ثلاجة أخرى للمشروبات الغازية خشية تلفها.
لم نتردد بتوجيه السؤال لصاحب
المحل عن سبب “سخونة علبة اللبن”، ليأتي الرد بأن “البضاعة قد وصلت قبل
قليل من مندوب الشركة ساخنة، نظرا لتعطل ثلاجة الشاحنة نفسها”.
لاحظنا خلال الجولة افتقار بعض
اصحاب المحال لثقافة حفظ منتجات الالبان بطريقة صحيحة، وعدم التزامهم
بالمعاير الصحية ” كدرجة حفظ الالبان داخل الثلاجات بحيث لا تتجاوز 10
درجات”. وجدنا ان اكثر من “20” محلا، تطفئ الانارة بشكل كامل عن المحل، وعن
الثلاجات ايضا، لتقليل استخدام الكهرباء ليلا ً كما اكد اصحابها.
اطفاء الانارة عن الثلاجات ليلا
يخالف نص المادة 6 من قانون الغذاء لعام 2009، “اذا تم تداول الغذاء في
احوال أو ظروف مخالفة للتدابير الصحية الصادرة عن مؤسسة الغذاء والدواء،
يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهرين ولا تزيد على ستة أشهر أو الغرامة بحيث
لا تقل عن 250 دنيارا ولا تزيد على ألف دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين،
ويقع عبء إثبات عدم العلم على المشتكى عليه”.
مديرة دائرة الرقابة الصحية
والمهنية بأمانة عمان الدكتورة ميرفت مهيرات اشارت لوجود “سوء متابعة من
قبل أصحاب الشركات لأصحاب المحلات بخصوص بضائعهم مما يؤدي إلى سرعة تلف
البضائع ننتيجة سوء التخزين وعدم معرفتهم بطرق التخزين الصحيحة”.
المهيرات أكدت أن أكثر العينات
رسوبا خلال ثلاث سنوات في مختبرات الأمانة ” هي الالبان والأجبان المعروضة
في الأسواق بناء على العينات التي أخذت بطرق عشوائية من مختلف الأسواق”،
موضحة أن السبب في أغلب الأحيان يعود لسوء التخزين من قبل أصحاب المحلات.
بحسب مهيارات بلغ عدد العينات المخالفة خلال العام الماضي “588” بنسبة رسوب
تصل ” 33 %”.
تنقسم مسؤولية الرقابة على
شركات الألبان بين مؤسسة الغذاء والدواء التي تراقب على المملكة بأكملها،
وبين لجنة التوعية والتوجيه والرقابة على القطاع الصناعي التابعة
للمؤسسة ذاتها، وهي تشمل ” عمان، الزرقاء، مادبا”.
قلة الإمكانيات والكوادر
التابعة لمؤسسة الغذاء والدواء حالت دون التأكد من صلاحية كل منتج غذائي
منتشر بالأسواق الأردنية، على ما أكد مدير عام مؤسسة الغذاء والدواء
الدكتور هايل عبيدات اللذي رفض تحميل مؤسسته مسؤولية ضعف الرقابه لوحدها
فهي وظيفة تتشارك فيها عدد من الجهات بحسبه.
إلا ان جمعية حماية المستهلك
ممثلة بمديرها الدكتور محمد عبيدات، اكدت لكاتبة التحقيق انها حاولت
التواصل مع مؤسسة الغذاء والدواء أكثر من مرة لتعزيز وتوحيد جهود الرقابة،
ووجهت لها مطالبات عديدة بإلغاء تصاريح استيراد الزيوت المهدرجة الممنوحة
لبعض المصانع، الا ان الأخيرة لم تتجاوب البته مع تلك المحاولات المتكررة.
جدل حول استخدام حليب البودره في انتاج اللبن بعد قرار رسمي يمنع ذلك
لم نستطع خلال بحثنا وتصويرنا
الخفي داخل مصنعي ألبان توثيق استخدام الحليب المجفف (الباودر) في تصنيع
الالبان. رغم ذلك، واعتمادا على الشهادات التي أدلى بها عاملون سابقون في
المصانع، وجدنا طرقا متشعبة تتيح لاصحاب المصانع إخفاء الحليب الباودر داخل
او خارج المصنع لاستخدامه في التصنيع لاحقا.
خلال عملنا على هذا التحقيق صدر
قرار من وزارة الزراعة بتاريخ 19-12-2012 يقضي “بتعليق استيراد الحليب
منزوع الدسم “دعما لمزارعي الابقار لانه يدخل في صناعة الالبان والأجبان،
ويعتبر القرار ساري المفعول اعتبارا من مطلع عام 2013.”
الأمين العام للثروة الحيوانية
بوزارة الزراعة المهندس فيصل العرقان بين أنه “تم ضبط سوق الحليب الباودر
بعد أستلام مهمة اعطاء التراخيص للمصانع من وزارة الصناعة والتجارة مطلع
عام 2011، فالوزارة تعمل بأقصى طاقتها لمساعدة اصحاب مزارع الابقار”.
يستورد الحليب الباودر من قبل
34 شركة للصناعات الغذائية بالاردن، اعطيت التراخيص لخمس شركات البان
للاستيراد فقط، تنتج جبنة الفيتا، الجبنة المطبوخة، الحليب المنكه والحليب
طويل الأمد، في حين تمنع المواصفة الاردنية استخدام الحليب الباودر فيما
تبقى من منتجات الالبان ومشتقاته “قطعيا” بحسب المواصفة المحددة لكل منتج.
بحسب الوزارة بلغت كمية الحليب
الباودر المورد للمملكة “3200 طن” لعام 2010، فيما تقلصت الكمية
بواقع”2050″ لعام 2011، بانخفاض يصل “1150” طنا.
لكن يبدو أن هذا القرار بضبط
استيراد الحليب الباودر لا يطبق بالشكل الأمثل على ما رصدنا. فقد أرسلت
كاتبة التحقيق أحد المتطوعين للعمل في هذا التحقيق، للتأكد من مدى دقة
معلومات تفيد أن أحد مصانع الالبان في منطقة اليادودة يشتهر بصناعة جبنة
“الفيتا” وهو احد المصانع الخمسة المسموح لها استيراد الحليب الباودر يقوم
ببيع الفائض لديه لشركات اخرى.
قدم متطوعنا نفسه لصحاب معمل اللبن بوصفه مستثمرا عربيا وجاء لفتح معمل صغير لعمل البسكويت في الاردن.
ما كان من صاحب المصنع إلا أن
أكد له، أنه يستطيع تزويده بكميات الحليب التي يحتاجها فورا، وأن
باستطاعته استخراج الرخص التي يحتاجها دون اية عقبات ايضا، الا انه اشترط
عليه إعداد جدوى اقتصادية للمشروع، ليقدم له الدعم الذي يحتاجه بعد ذلك.
يعد الحليب الطازج المكون
الرئيسي في صناعة الالبان ومشتقاته، بحسب المواصفة القياسية الاردنية، الا
ان شكاوى أصحاب مزارع الابقار، تفند رواية اصحاب المصانع باستخدام الحليب
الطازج في منتجاتهم.
يبلغ عدد الابقار في الاردن
68000 الف رأس، موزعة على 832 مزرعة يغطي انتاجها ما يقارب 49.5% من
الانتاج المحلي سنويا، وتقدر كمية الاستثمار بهذا القطاع 500 مليون دينار
اردني، ويبلغ سعر كيلو الحليب الطازج من المزرعة 46 قرشا، فيما يبلغ سعر
كيلو الحليب الباودر المستورد لغايات التصنيع 19 قرشا بعد حله بالماء.
رغم ذلك يشتكي صلاح بدر (صاحب
مزرعة ابقار)، من “مزاجية اصحاب المصانع بالتحكم بكميات الحليب” متسائلا
“كيف يستغني المصنع عن الحليب الطازج ويعيده لنا، او يطلب منا كميات قليلة
جدا ومنتجاته تغطي ربع الاسواق الاردنية”.
تم الرجوع الى مدراء مصنعي
البان لاعطائهم حق الرد حول الاتهامات الموجة لهم من قبل اصحاب مزارع
الابقار، اكدوا لنا خلو جميع منتجاتهم من الحليب” الباودر”، مؤكدين ان
اصحاب مزارع الابقار هم من يتلاعبون بالحليب ويعمدون على خلطه بالماء
واضافة المضادات الحيوية له.
الناطق باسم جمعية مربي الابقار
المهندس حسين مسلم يتهم شركات الألبان بالإستغناء عن استخدام الحليب
الطازج في منتجاتها، واستخدام الحليب الباودر في تصنيعها اليومي.
حماية المستهلك تحذر من شراء منتجات البان خطرة صحيا
عدم الاستجابة السريعة من قبل
مؤسسة الغذاء والدواء لنداءت جمعية حماية المستهلك المتكررة، حدا بالأخيرة
إلى نشر بيان منتصف العام الماضي 2011.تحذر فيه المستهلكين من شراء بعض
المنتجات، التي تشكل خطرا على صحتهم .تضمن البيان أبرز المنتجات التي
رصدناها خلال تحقيقنا باعتبارها “مخالفة للمواصفات والمقايس”. كاللبنة
التركية، الصلصة التركية،الخثرة الرائعة،جبنة الفيتا،الحليب المعقم،الجبنة
سهلة الدهن.
التجاوزات التي ما زالت مستمرة
ليومنا هذا، وثقت من خلال البحوث المكثفة حول السلع المطروحة بالأسواق،
وشكاوى المواطنين التي تجاوزت 100 خلال العام الماضي والمتعلقة ب” رائحة
اللبن الكريهة، تعفن العلبة،انتهاء مدة الصلاحية، وانتشار منتجات غير صالحة
للاستهلاك البشري في الاسواق الاردنية” بحسب مدير جمعية حماية المستهلك
الدكتور محمد عبيدات.
عام ونصف يفصل بين ما حذرت منه
جمعية حماية المستهلك من غزو منتجات البان ضارة ومخالفة للمواصفات للأسواق
وبين ما رصده التحقيق، بالصوت والصورة والتحاليل المخبرية، من مخالفات صحية
تتعلق بذات المنتجات أيضا.
ليس بالإمكان معرفة كم طنا
فاسدا من اللبن استهلك المواطن الأردني خلال العام والنصف تلك. لكن هذا
التحقيق يشير إلى وجود ظاهرة التلاعب بمواصفات اللبن لدى بعض
المصانع لتعظيم الارباح، وبما يشكل خطورة على صحة المواطنين، نساء ورجالا
وأطفالا، ويقرع الجرس لتقوم الجهات لارقابية بتكثيف نشاطها أكثر وضبط
المتلاعبين بسلامة غذاء أساسي من هذا النوع.
أعد هذا التحقيق بدعم من شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج) وإشراف الزميلة مجدولين علان.
المصدر
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكرك على الإطلاع على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ، ولو إسما مستعارا ; للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو مراعاة أخلاق المسلم ; حتى لا نضطر لحذف التعليق
تقبل أجمل تحية
ملاحظة :
يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..