الأربعاء، 22 أكتوبر 2025

💢حين يتجاوز التستر حدّه.. من مخالفة أو جريمة تجارية إلى جريمة إنسانية‼️

         في نظري، إنّ جريمة التستر التجاري لا تقتصر على كونها مخالفة أو جريمة اقتصادية تضرّ بالسوق أو تخلّ بالمنافسة، بل قد تتجاوز حدودها متى ما صاحبتها صور من الاستغلال أو الخداع أو الإكراه، لتتحوّل من جريمة مالية إلى جريمة إنسانية تمسّ كرامة الإنسان وحقوقه، وتلامس جوهر ما حرّمه النظام وعدّه من صور الاتجار بالأشخاص.

فقد يحدث في بعض الوقائع أن المواطن لم يكن متواطئًا ولا راضيًا، بل كان ضحية استغلالٍ أو إكراهٍ أو ضعفٍ، فيُستخدم اسمه أو سجله التجاري دون علمه الكامل أو برضى صادق منه، أو يُجبر على التنازل أو الموافقة تحت ضغطٍ أو تهديدٍ أو حاجةٍ ملحّة. ومتى ما ظهر ذلك، فإنّ الوصف النظامي يتغيّر، وتتحوّل القضية من مجرد تسترٍ تجاري إلى فعلٍ تتوافر فيه أركان جريمة الاتجار بالأشخاص المنصوص عليها نظامًا.

وقد جاء نظام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/40) وتاريخ 1430/07/21هـ ليضع ضوابط قاطعة لا لبس فيها، حيث نصّت المادة الثانية منه على ما يلي:
"يُحظر الاتجار بأي شخصٍ بأي شكلٍ من الأشكال، بما في ذلك إكراهه أو تهديده أو الاحتيال عليه أو خداعه أو خطفه، أو استغلال الوظيفة أو النفوذ، أو إساءة استعمال سلطةٍ ما عليه، أو استغلال ضعفه، أو إعطاء مبالغ مالية أو مزايا أو تلقيها لنيل موافقة شخصٍ له سيطرة على آخر من أجل الاعتداء الجنسي، أو العمل أو الخدمة قسرًا، أو التسوّل، أو الاسترقاق، أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو الاستعباد، أو نزع الأعضاء، أو إجراء تجارب طبية عليه."

وهذا النصّ العميق في معناه والمهيب في صياغته لا يحمي الإنسان من القهر البدني فحسب، بل من كل صور الاستغلال التي تُسلبه إرادته، أو تُستغلّ حاجته وضعفه لأغراضٍ تجارية أو شخصية، سواء أكانت تحت غطاءٍ مشروع ظاهريًا أم عبر حيلةٍ تُزيّن الباطل بثوب النظام، وفي حال تبين للجهة المختصة وجود أي شبهة استغلال أو إكراه، فإن التبليغ يصبح واجبًا ملزمًا وفق الأنظمة والإجراءات المتبعة، فلا تهاون مع حقوق الإنسان ولا تجاه العدالة التي أقرتها الأنظمة.

أدلة وقرائن ملموسة على الإكراه والإذلال والاستغلال

يمكن الاستدلال على وجود إكراه أو إذلال أو استغلال من خلال الواقع العملي، كما يلي:
رجل رشيد بالغ، أمواله من مؤسسته أو نشاطه تأتيه يوميًا، لكنه لا يملك التحكم فيها، بطاقة الصراف أو الأموال كلها بيد شخص آخر. هذا إكراه وإذلال واضح، حتى لو بدا "رضا ظاهرًا"، فالتحكم اليومي بالمال واستغلال حاجة الشخص يُظهر استغلالًا حقيقيًا.
المحادثات والرسائل النصية عبر الجوال أو المكالمات الهاتفية المسجلة، أو المستندات الموقعة باسم الشخص دون رضاه الفعلي، أو استخدام سجله التجاري والوثائق الرسمية للتحكم بالنشاط التجاري، كلها قرائن ملموسة على الإكراه والإذلال.
الصور والفيديوهات والكاميرات تثبت حالات الإزعاج، التوجيه القسري، المشاكل اليومية، أو شكاوى سابقة لدى الشرطة تفيد بعدم اتفاق الطرفين، كل هذا يدعم وجود استغلال وإكراه.
المستندات الأصلية للعقود أو أوراق المؤسسة في حوزة الطرف الآخر وليس لدى صاحبها الشرعي، يعكس سيطرة واستغلال وإذلال مستمر.
أي ضغط متكرر أو توجيه قسري لإجبار الشخص على أفعال معينة أو التخلي عن حقوقه، حتى لو بدا أن هناك "رضا ظاهر"، يعتبر استغلالًا وإذلالًا حقيقيًا.

وفي رأيي، فإنّ دور وزارة التجارة لا يقف عند حدود ضبط التستر التجاري أو تحرير محاضر المخالفات فحسب، بل يمتدّ إلى ما هو أوسع، إذ يجب عليها متى ما لاحظت شبهة استغلالٍ أو إكراهٍ أو خداعٍ في القضية أن تُسجّل هذه الملاحظة في محضر سماع الأقوال الرسمي، وتُحيلها إلى النيابة العامة وحدة مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص، وهي الجهة المختصة بالتحقيق في مثل هذه الجرائم التي تمسّ الكرامة الإنسانية والحرية الفردية.

فالوزارة، في أداء واجبها، لا تضبط النشاط التجاري فحسب، بل تُدافع عن مفهوم العدالة بمضمونه الإنساني. لأنّ من تستّر عن تواطؤٍ ومخالفةٍ نظاميةٍ يعاقب بنصوصٍ محددة،أما من استُغلّ ضعفُه أو أُكره أو خُدع، فحمايته واجبٌ شرعي ونظامي يفرضه الضمير قبل النص، ويستدعي أن يُنظر في حاله بعين العدالة لا بعين التجريم.
💢كتبه/ مازن المليح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكرك على الإطلاع على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ، ولو إسما مستعارا ; للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو مراعاة أخلاق المسلم ; حتى لا نضطر لحذف التعليق
تقبل أجمل تحية
ملاحظة :
يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..