المتأمل في المادة السادسة والعشرين من النظام يلحظ بوضوح أن المشرّع أعطى للمفتشين
أدوات متعددة لضبط المخالفات وإثباتها. غير أن الصياغة الواردة في البند
الثالث والبند السابع تحمل تناقضًا لا يمكن إغفاله؛ فبينما جاء النص في
البند الثالث على أن دور المفتش ينحصر في استدعاء أطراف المخالفة وسماع
أقوالهم وتوثيقها، نجده في البند السابع يمنح المفتش صلاحية التحقيق مع
المساهمين أو المشاركين في المخالفة.
وهنا يثور التساؤل:
كيف يكون التعامل مع أطراف المخالفة الرئيسيين مجرد سماع أقوال، بينما يُفتح الباب في مواجهة المساهمين الثانويين للحديث عن تحقيق؟ وإذا كان المقصود بالتحقيق هنا هو التحقيق الإداري، فإن الأولى أن يُقرن هذا المصطلح بضمانات واضحة وصريحة تحمي حقوق الأفراد، حتى لا ينقلب التحقيق الإداري إلى استجواب أو مواجهة تتجاوز حدود التفتيش والرقابة
كيف يكون التعامل مع أطراف المخالفة الرئيسيين مجرد سماع أقوال، بينما يُفتح الباب في مواجهة المساهمين الثانويين للحديث عن تحقيق؟ وإذا كان المقصود بالتحقيق هنا هو التحقيق الإداري، فإن الأولى أن يُقرن هذا المصطلح بضمانات واضحة وصريحة تحمي حقوق الأفراد، حتى لا ينقلب التحقيق الإداري إلى استجواب أو مواجهة تتجاوز حدود التفتيش والرقابة
هذا إذا سلمنا انطباق التحقيق الإداري عليه في هذا الموضع
والعجيب ان اللائحة لم تتطرق لعمل المفتش بالأمر الواضح .
فالتحقيق
في معناه القانوني أوسع بكثير من مجرد جمع معلومات أو استيضاحات؛ هو
استجواب، ومواجهة، وتوجيه اتهام، وهي أمور نص عليها نظام الإجراءات
الجزائية كاختصاص أصيل للنيابة العامة، لا يجوز التعدي عليه.
كما ورد بالمادة الثالثة عشرة من نظام الإجراءات الجزائية :
تتولى هيئة التحقيق والادعاء العام التحقيق والادعاء العام طبقًا لنظامها ولائحته.
ولو
سلمنا بأن المشرّع قصد "تحقيقًا إداريًا"، فمن الواجب أن يُلحق النص ببيان
يحدد للمفتش ما له وما عليه، وأن يؤكد على حقوق المتهم التي لا يجوز
المساس بها، مثل ماورد بالمادة الرابعة بند 1 من نظام الإجراءات الجزائية :
يحق لكل متهم أن يستعين بوكيل أو محام للدفاع عنه في مرحلتي التحقيق والمحاكمة .
والحق في التزام الصمت:
جاء
في الفقرة 4 من اللائحة 72 من نظام الاجراءات الجزائية : اذا امتنع المتهم
عن الإجابة او امتنع عن التوقيع أثبت المحقق امتناعه في المحضر مع ذكر
أسباب الامتناع .
عدم جواز تهديده أو الضغط عليه أو مواجهته بغير سند نظامي.
هذه
الضمانات ليست أمرًا شكليًا ، وإنما هي جوهر العدالة الإجرائية، وقد جاء
نظام الإجراءات الجزائية ليرسخها. فكيف يُعطى المفتش في النص سلطة
"التحقيق" – ولو إداريًا – دون أن تُقرن ببيان تلك الحقوق؟ أليس في ذلك
تناقض واضح؟
ثم إن التمييز
بين الأطراف: فـ"أطراف المخالفة" يكتفى معهم بسماع الأقوال، بينما
"المساهمون أو المشاركون" يُواجهون بتحقيق، يطرح إشكالية أخرى. إذ كيف يكون
التحقيق وهو الأوسع والأشد موجّهًا للمرحلة الثانوية من المسؤولية، بينما
المرحلة الأصلية لا تتعدى فيها الصلاحية إلا سماعًا للأقوال؟ هذا التناقض
يفضي إلى قلب الأولويات ويخلق لبسًا خطيرًا عند التطبيق العملي.
وقد حدد نظام الإجراءات الجزائية بالمادة الثامنة والعشرون :
لرجال
الضبط الجنائي أثناء جمع المعلومات أن يستمعوا إلى أقوال من لديهم معلومات
عن الوقائع الجنائية ومرتكبيها، وأن يسألوا من نسب إليه ارتكابها، ويثبتوا
ذلك في محاضرهم. ولهم أن يستعينوا بأهل الخبرة من أطباء وغيرهم ويطلبوا
رأيهم كتابة.لا التحقيق بمعناه الواسع .
إن معالجة هذا الخلل لا تكون إلا بتعديل النصوص محل الإشكال:
فيُوحَّد الإجراء بحيث يكون للمفتش سماع أقوال كل من له صلة بالمخالفة أطرافًا كانوا أو مساهمين وتوثيقها.
ويُحذف مصطلح "التحقيق" لما يحمله من دلالات قضائية واسعة قد تُسيء الفهم.
ويضاف
نص يؤكد على أن للمفتشين جمع المعلومات والوثائق اللازمة، مع الالتزام
بعدم المساس بحقوق الأفراد المقررة نظامًا، وإحالة أي شبهة جريمة للنيابة
العامة المختصة.
بهذا فقط
يتحقق الانسجام في الصياغة، وتُسد الثغرة التي قد توقع المفتشين في تجاوزات
غير مقصودة، ويُفصل الفصل الحقيقي بين ما هو رقابة إدارية وما هو تحقيق
جنائي ،هذا يعطي حق الدفع بفساد الإجراء: إذا اقتصر الخلل على مخالفة شكلية
أو مساس بضمانة جوهرية تجعل الإجراء معيبا، كاستماع المفتش بطريقة تتجاوز
حدود صلاحياته أو دون مراعاة حقوق الدفاع.
الدفع
ببطلان التحقيق: إذا تَبيّن أن ما باشره المفتش لا يعدو أن يكون تحقيقًا
قضائيًا بالمعنى النظامي، وهو اختصاص أصيل للنيابة العامة، فيكون التحقيق
واقعًا من غير مختص،(بدون صفة) مما يبطله برمته.
وبذلك
يتأكد أن غموض النصوص لا يقف عند حدود النظرية، بل قد يترتب عليه في
الواقع العملي إهدار الأدلة المستخلصة وإبطال ما بُني عليها من إجراءات.
💢كتبه / مازن المليح .
في يوم الثلاثاء
25 صفر 1447 هـ
،الموافق 19 أغسطس 2025 م.
25 صفر 1447 هـ
،الموافق 19 أغسطس 2025 م.
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكرك على الإطلاع على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ، ولو إسما مستعارا ; للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو مراعاة أخلاق المسلم ; حتى لا نضطر لحذف التعليق
تقبل أجمل تحية
ملاحظة :
يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..