الجمعة، 18 يوليو 2025

تسليع الطب

        لا يختلف إثنان على أنَّ مستوى الطب في المملكة يَحتَلّ مركزاً مُتَقَدِّمَاً على مستوى العالم العربي، إنْ لَم يَكُن الأفضل في جميع الدول العربية. والفضل في ذلك ــ بعد الله ــ يعود إلى

الإنفاق الحكومي السَّخي على تأهيل الكوادر الطبية السعودية مِنْ خلال ابتعاث الطلبة السعوديين مُنذُ مَطلع الخمسينات الميلادية إلى جمهورية مصر العربية ومُنذُ بداية الستينات إلى ألمانيا ثُمَّ بريطانيا وأمريكا وكندا. وقد أثبَتَ الطبيب السعودي كفاءته الطبية مُنذُ أنْ تَخَرَّج أوَّل طبيب، بل إنَّ عدداً غير قليل منهم عَمِلَ في ألمانيا وبريطانيا وكندا وأمريكا قبل عودَتهم إلى المملكة وقليل منهم استمر بالعمل في تلك الدول.
 اسـتراتيجية 50/50 !؟ 
عَرَّاب استراتيجية المُناصَفَة في الربح، أو ما يُعرَف مجازاً بقانون 50/50 (فيفتي/فيفتي)، في اتفاقيات الدول مع شركات التنقيب عن النفط لتقاسم الأرباح بعد حسم تكاليف التنقيب والاستخراج بدءاً مِنْ عام 1948م، هو وزير التنمية الفنزويلي بيريز ألفونسو. 
وقد طَبَّقَت المملكة هذا القانون مع شركة أرامكو (الأمريكية)، وذلك بجهودٍ كبيرة مِنْ المهندس عبدالله الطريقي، الذي عُيِّن عام 1960م كأوَّل وزير للبترول والثروة المعدنية، رحمه الله وأسكنه جنة الفردوس.
 استراتيجية أو قانون 50/50 هذا طَبَّقته أكبر إمبراطورية صحية في الشرق الأوسط مُنذُ اليوم الأول لإنشائها. حيث قامت هذه الاستراتيجية لهذه الإمبراطورية الصحية في بداياتها على توفير العيادة والجهاز الصحي المُساند (غُرَف مرضى فخمة، موظفو استقبال، تمريض، مختبر، ...)، ثُمَّ الاستعانة بالأطباء الاستشاريين السعوديين في كليات الطب بالجامعات السعودية والمستشفيات الحكومية الكبيرة؛ باستراتيجية (فيفتي/فيفتي)، وذلك بتقاسُم أُجرَة فحص الطبيب مُناصَفَةً بين المستشفى والطبيب. ومما لا شك فيه، قامت هذه الإمبراطورية الصحية بتوظيف الأعداد اللازمة مِنْ الأطباء لاستمرار عَمَل هذه المستشفيات في الفترات التي يغيب فيها الاستشاريون السعوديون القادمون من المستشفيات الحكومية بقانون 50/50، وذلك برواتب مُجزَيةٍ تُلزِم الطبيب باستقبال أربعين مريضاً يومياً على الأقل، كما أخبرني بذلك أحد الأطباء الاستشاريين العاملين فيها. بالطَّبع، إنَّ إنشاء إمبراطورية صحية بهذا الحجم استلزمَ الاستعانة بأفضل العقول السعودية وغير السعودية في قطاع إدارة المستشفيات والأطقُم الطبية والمُساندة وبمُمَيزات مالية مُغريَة. كذلك ساعد في سُرعَة ظُهور وتَوَسُّـع هذه الإمبراطورية الصحية المرونة في اتخاذ القرار، مُقَارَنَةً بالمستشفيات الجامعية والحكومية، سواءً مِنْ ناحية التجهيز أو القوة البشرية. السؤال الذي يبحث عن إجابة هُنا: مَن الخاسر جَرَّاء الخلل الهيكلي في المستشفيات الجامعية والحكومية !؟ 
بكل تأكيد، المريض أولاً وأخيراً. 
خَلَل هيكلي هذه الاستراتيجية التجارية الذكيَّة قامت على الخلل الهيكلي القائم في المستشفيات الجامعية والحكومية الكبيرة، وذلك بعَدَم تَوَفُّر جهاز مُسـانِد بعَدَدٍ يتماشى مع عدد الأطباء الاستشاريين العاملين في تلك المستشفيات، ما يجعَل هؤلاء الأطباء الاستشاريين غير قادرين على استقبال مرضاهم طوال أيام عملهم الأسبوعي. هذا الخلل الهيكلي في المستشفيات الجامعية والحكومية إنتبه له مؤسـسو تلك الإمبراطورية من المستشفيات الخاصة التي انتشرت في عددٍ مَنْ مُدُن المملكة ودول الخليج، واكتَسَبَت سُمعَةٍ كبيرة بفَضل الله ثُمَّ بفضَل أولئك الأطباء الاستشاريين السعوديين في المستشفيات الجامعية والمستشفيات الحكومية الحاصلين على الزمالات البريطانية والأمريكية والكندية والسعودية.
 وفي هذا السياق، يقول طبيب استشاري يعمل في أكبر مستشفى جامعي في المملكة، نحنُ 32 طبيب استشاري في القسم، ولم يُخَصِّص المستشفى الجامعي لأطباء قِسـمنا سوى ستة عيادات، مما يعني أنَّ كُلّ طبيب استشاري مِنَّا لن يحصل على عيادة يستقبل فيها مرضاه سوى يوم واحد في الأسبوع. وبالتالي، هل نُلام على عَمَلنا في المستشفيات الخاصة بقية أيام الأسبوع حتى نَتَمَكَّن مِنْ استقبال المرضى ونُحافِظ على مهاراتنا المهنية الطبية !؟ أعتَرِف للقارئ الكريم بأنَّني قبل هذا الحديث مع هذا الطبيب الاستشاري، كُنتُ مُتَحَامِلاً على الأطباء الاستشاريين في المستشفيات الجامعية والحكومية بسبب طول فترة الانتظار للحصول على موعد في عياداتهم تلك، ظَانَّاً أنَّهم ــ وباختيارهم ــ لا يعملون طوال أيام الأسبوع.
 ولكن، بالفعل، الإنسان عَدو ما يَجهَل. هذا الخلل الهيكلي في المستشفيات الجامعية والحكومية هو السـبب بأنَّني لم أحصل على موعِد مع طبيب استشاري في إحدى هذه المستشفيات إلا بعد عامٍ كامل. وغالباً ما نُلاحظ أنَّ الطبيب الاستشاري الفُلاني في ذلك المستشفى الجامعي أو الحكومي يستقبل مرضاه فقط يوم أو يومين على الأكثر مِن أيام الأسبوع !! والسؤال هنا: هل مُمَارسة كثيرٍ مِن أطباء المستشفيات الحكومية والجامعية هذه بتخصيص يوم أو يومين فقط مِن كُل إسبوع لاستقبال مرضاهم مُطَبَّقة في المستشفيات الجامعية والحكومية في الدول التي سـبقتنا في المجال الطبي !؟ فالمريض الذي كان يُراجِع عند طبيب في المستشفى الجامعي أو الحكومي كان مجبوراً على أنْ يذهب للطبيب في عيادته بالمستشفى الخاص في تلك الإمبراطورية أو غيرها من المستشفيات الخاصة التي طَبَّقَت قانون 50/50 أو شيئاً شبيهاً به، وذلك بسـبب طول فترة المواعيد في المستشفيات الجامعية والحكومية، التي قد تصِل أحياناً إلى سنة كاملة، نتيجة عَدَم تواجُد أغلب الأطباء هناك في العيادة إلا يوماً أو يومين على الأكثر في الأسبوع، وذلك بسبب قصور كبير في الجهاز الطبي المُسانِد أو خَلَل بيروقراطي إداري. وقَد مَرَرت بهذا المَوقِف مع طبيب استشاري في إحدى مستشفيات تلك الإمبراطورية، وحين عَرَفَ أنَّي أعمل بالجامعة قال لي: لماذا لم أُراجِعه في عيادته بالمستشفى الجامعي !؟
 فقُلت له مواعيدك هناك بالأشهُر. فَلم يَنبُس بكَلِمة !!

 وعلى الرَّغم مِنْ أنَّ عدداً مِن المستشفيات الجامعية والحكومية أنشأوا أقسام خدمات صحية غير مجانية، بعضهم أسماها خدمة قطاع الأعمال، إلاّ أنَّ سُمعَة تلك الإمبراطورية الصحية مِن المستشفيات الخاصة تفوق سمعة الخدمات الصحية غير المجانية في المستشفيات الجامعية والحكومية. حيث يُراهِن البعض على أنَّ سبب ذلك يَتَمَثَّل في أنَّ إدارة تلك الأقسام الصحية غير المجانية في المستشفيات الجامعية والحكومية ليست بجدارة ومرونة إدارة المستشفيات الخاصة، حيث لم تستطع المستشفيات الجامعية والحكومية الانعتاق مِن العباءة الإدارية البيروقراطية، إضافةً إلى تَبَنّي المستشفيات الخاصة نموذج "خدمات فندقية خمس نجوم" في مستشفياتها، سواءً في المبنى أو في خدمات غُرَف المرضى. ولكن قبل ذلك، لمـاذا لم تَتَوَسَّع تلك المستشفيات الجامعية والحكومية في توفير الجهاز الصحي المُسانِد للأطباء فيها، بحيث يكون لكل طبيب عيادة تُجبِره على استقبال مَرضاه يومياً، مما يُقَلِّل أيام وساعات الفراغ لديه التي تَجعَله يبحث عن عَمَلٍ إضافي لدى المستشفيات الخاصة طالما "وليَّة أمره" المستشفى الجامعي أو الحكومي لم تُوَفِّر له عيادة يومية؛ وبالتالي تقليل الأعباء المالية التي أرهَقَت ميزانيات المواطنين غير الخاضعين للتأمين الصحي، سواءً العاملين في القطاع الحكومي أو لحسابهم بسبب عَدَم تَوَفُّر مواعيد مع الأطباء في المستشفيات الجامعية والحكومية إلاّ بعد أشهُرٍ طويلة أحياناً تتجاوز السنة. تســليع الطِّـب والطبيب الأمر المؤلم في قانون 50/50 الذي اخترَعَـته هذه الإمبراطورية الصحية وطَبَّقه غالبية مستشفيات القطاع الخاص مع أطباء المستشفيات الجامعية والحكومية الذين تستعين بهم، أنَّ تلك الإمبراطورية "سَـــلَّعَت Commercialized" مِهنة الطب الإنسانية النبيلة، سامحها الله، وجَعَلت هؤلاء الأطباء يعملون حتى الساعة العاشرة مساءً، وقد يعملون يوم الجُمعَة أيضاً، حيث وَضَعَت لوحة إعلانية كبيرة على أكثر من مستشفى لها كُتِبَ عليها: "الإسـتشـاريون يعملون يوم الجُمُعَة" !! نَعَم، الطبيب الاستشاري المُتَعَاوِن مِن المستشفيات الجامعية والحكومية مع المستشفيات الخاصة جَنى مزيداً مِن المال، ولكن على حساب عائلته وأطفاله الذين قد لا يراهم إلاّ يوم الجُمُعَة في أحسَن الأحوال، وذلك في ظِلّ عَمَلِه تلك الساعات الطويلة في المستشفيات الخاصة بقانون 50/50 المُغري مادياً للطرفين، وقَبلَ ذلك على حساب صحة كثيراً من المرضى الذين قد لا يستطيعون دفع أُجرَة هذا الطبيب في المستشفيات الخاصة. ولكن الأمر المُهم جداً هو الارتفاع الكبير جداً في تكاليف العلاج في المستشفيات الخاصة الكبيرة مثل مستشفيات هذه الإمبراطورية الصحية. ولكن الأمر الأكثر خطورة يَتمَثَّـل في أنَّ فاتورة العلاج تكون "خُرافية" عندما يكون المريض لا يملك تأمين صحي ويدفع مِن حِسابة الشخصي، وذلك مُقَارَنةً بنفس الفاتورة في حالة كان لديه تأمين صحي. فعلى سبيل المثال، صديقة إحدى أخواتي دَخَلَت طوارئ إحدى مستشفيات هذه الإمبراطورية الصحية، ونُقِلَت إلى قسم العناية المُرَكَّزَة ثلاثة أو أربعة أيام، لِتَخرُج من المستشفى بعد سبعة أيام بفاتورة بَلَغت حوالي مئة وسبعين ألف ريال !! وصديق آخر أخَذَ والدته أيضاً إلى إحدى مستشفيات هذه الإمبراطورية، وفوجئ بأنَّ المستشفى لا يقوم بأي إجراء طبي، مثل تحليل دم أو أخذ أشعّة، إلاّ بعد أنْ يذهب الإبن لقسم المحاسبة ويدفع قيمة هذا الإجراء !! باختصار، أصبَحَ هذا المستشفى أشبه ما يكون ببقالة، لا تَحصَل على أي شيء قبل أن تدفع قيمته !! والقِصَص في هذا الموضوع كثيرة جداً. هذه النقاط المُهِمَّة يجب على الأجهزة الرقابية ذات العلاقة مُعالَجتها حتى لا يُصبِح العلاج في المستشفيات الخاصة حَكراً على الأغنياء أو مِمَن لديهم تأمين صحي عَبر الشركات التي يعملون بها، خاصةً وأنَّ المملكة تسعى لأن تكون مكان جَذب قوي لما يُعرَف بـ "السياحة الصحية". آخر الطب الكي !! الموضوع الطبي والخدمات الصحية موضوع شائك ومُعَقَّد، ليس في المملكة فقط، بل في غالبية دول العالم. ولكنِّي مِنْ أنصار "آخر الطب الكي". فَما لَم تُعالِج المستشفيات الجامعية والحكومية الخلل الهيكلي في إدارة العيادات الطبية مِنْ خلال توفير العدد الكافي مِن العيادات والكادر الطبي المُسانِد لجميع الأطباء بحيث يستطيع المستشفى إجبارهم على مُعايَنَة أكبر عدد مِن المرضى طوال أيام عَمَلهم الإسبوعية، فسيستمر الوضع الحالي الذي لا يخفى على أحد. وعند توفير العدد الكافي مِن العيادات والطاقم الصحي اللازم لأطباء المستشفيات الجامعية والحكومية، حينها يجب مَنع أطباء تلك المستشفيات مِن العمل لدى مستشفيات القطاع الخاص، أو يستقيل مِنْ وظيفته الحكومية إذا أرادَ العمل في القطاع الخاص، ويُفسِح المجال لطبيب آخر يَخدِم المواطنين براتب المستشفى الجامعي أو الحكومي، بعيداً عن تسليع مِهنَة الطب. بطنـك يوجعني !؟ ولكن الأمر الخطير في "تَسـليع" الطب في قطاع الخدمات الصحية الخاصة في المملكة هو استعجال الطبيب في الكشف على المريض، حيث في الغالب الأعَمّ لا تتجاوز زيارة المريض للطبيب في المستشفيات الخاصة أكثر من خمس إلى عشر دقائق في أحسن الأحوال. ولكن الطَّامّةُ الكُبرى التي بدأت تُهيمِن على عدد غير قليل من الأطباء في القطاع الخاص والجامعي والحكومي حقيقة شِـبه عَدَم تَحرُّك الطبيب من كُرسيِّه لمُعاينة المريض، بل يكتفي الطبيب فقط بسؤال المريض عِدَّة أسئلة قبل أن يَصِف له دواء أو تحليل أو أشعة !! وقد راجعت شخصياً عِدَّة أطباء في مستشفياتٍ مختلفة في تلك الإمبراطورية الصحية وغيرها في مستشفياتٍ حكومية، وباستثناء أطباء العيون والأُذن والأسنان، لم يتَحَرَّك أي من هؤلاء الأطباء من كُرسيه، واكتفى فقط بتوجيه الأسئلة، قبل أن يَصِف دواء أو يَطلُب عمل تحليل أو أشعة. وعندما تَشَـجَّعت وسألت استشاري طب الأُسـرَه الذي راجعته مؤخراً في إحدى مستشفيات هذه الإمبراطورية الصحية: لماذا لم يعمل لي فحص شامل واكتفى فقط بتوجيه الأسئلة !؟ فكان رَدَّهُ صادِماً. حيث "أخذته العِزَّةِ بالإثم"، 
وقال: أنا مِن الساعة الرابعة عصراً وحتى الآن (8:40 مساءً) عاينت أربعين مريضاً، وأنت جئتني ولم تشـتَكِ مِن شيء. على الرغم مِن أنني أبلغته أنَّني كُنت في رحلةٍ علاجية لأمريكا، والآن آخذ الأدوية الفلانية !! فهل هذا تبرير مقبول طبيَّاً، أم أنَّه عُذر أقبح من فعل !؟ إنَّ طبيب الأُسـرَه بالذات يقَع عليه العبء الأكبر في اكتشاف بعض الأمراض الخطيرة مُبكِّراً، بشرط أنْ يقوم بمُعاينة المريض كما تَعَلَّمه في كلية الطب، وليس كما يتم حالياً بالتَسَــمُّر في كُرسـيِّه وتوجيه الأسئلة للمريض. وبإمكان القارئ الكريم وعَبر "الشيخ قوقل" أو تطبيق ChatGPT، قراءة مهامّ طبيب الأُسرَه ليَعرف ضخامة أهميته للمريض والمنظومة الصحية كَكُل، وبالتالي يقف على وضع بعض أطباء الأُسرة عندنا. وللأسف الشديد، مَرَرت بتجربة أُخرى مُحبِطَة مع طبيب استشاري في إحدى مستشفيات هذه الإمبراطورية الصحية بشأن الطنين في الأُذنين. حيث سألني عن سَـبَب زيارته، فوَصَفت له مشكلتي مع طنين الأُذنين، وأضفت بأنَّني أتناول الأدوية الفلانية. 

فلم يتحَرَّك مِن كُرسيه، وَوَجَّه لي بعض الأسئلة عَمَّا إذا كُنت أُعاني مِن الصُداع النصفي (الشقيقه) أو الإكتئاب، فأجبته بالنفي. ثُمَّ سألني هل لدي تأمين صحي !! بعد ذلك اقترح تجريب دواء يُعالِج الصداع النصفي (إبرتان مِن Emgality قيمة الواحدة منهما 1300 ريال !!)، قائلاً دَعنا نُجَرِّب تأثيرها لمدة شهر، حيث أنَّه لا أضرار جانبية تُذكر مِن هذا الدواء. الآن مَرَّ على استخدام تلك الإبر أكثر من أربعة أشهر ولا زلت أُعاني مِن طنين الأُذنين !! وللأسف الشديد، انتقلت عدوى تَسَـمُّر الطبيب على الكُرسي إلى بعض أطباء القطاع الحكومي والجامعي. حيث باستثناء أطباء العيون والأسنان، نادراً ما يقوم الطبيب بفحص المريض، ويكتفي بتوجيه الأسئلة وهو مُتَسَـمِّراً على كُرسيِّه أمام شاشة الحاسوب بعد أن يفتح موقع مَلَف المريض، أو تكون المُمَرضة على جهاز الحاسوب وهو يوَجِّه الأسئلة للمريض !! والسؤال هنا: يا تُرى، ماذا حَدَثَ لبعض الأطباء !؟ 
هل أعمَتهم المادة بحيث أصبَحَ هَمَّهم الأول والأخير الكشف على أكبر عدد مُمكِن من المرضى، وليس تطبيق أبجديات ما تعلموه في كليات الطب بشأن كيفية الكشف على المريض !؟ 
قد يُمكِن تَفَهُّم ذلك مؤقتاً في بعض المستشفيات الجامعية والحكومية التي تُعاني من ضغط كبير في عدد المرضى مع قِلَّة عدد الأطباء والجهاز الطبي المُساند،
 ولكن لا يُمكِن قبول ذلك في المستشفيات الخاصة حين يدفَع المريض مَبَالِغاً مالية كبيرة لرؤية طبيب يجلس على كرسيه ويوجِّه له الأسئلة.
 فلا يخفى على أطباءنا الأفاضل وجود أمراض لا يمكن تشخيصها من إجابات المريض، خاصةً عندما تكون في مراحلها الأولى.
 ومِن أشهر وأخطر هذه الأمراض أورام الغدد الليمفاوية (الليمفويا)، التي لا يُمكِن اكتشافها في بداياتها إلا بتَلَمُّس الطبيب لأجزاء الجسم الحاوية على غُدد ليمفاوية (حول الرقبة والإبطين ...).

 خُلاصَة القول، أنَّ ما يقوم به حالياً بعض أطباءنا في طريقة مُعايَنَتهِم لِمَرضاهم بالاكتفاء بتوجيه الأسئلة لهم دون عَمَل أي فحص جَسَدي (سماعة التنفس والقلب، فحص مناطق الغدد الليمفاوية، اختبار قوة عضلات اليدين والساقين، ...)، ليس في صالح المريض بأي حالٍ من الأحوال، وهوَ إخفاق وتكاسُل من الطبيب تجاه مريض جاء يَنشُد اهتمامه وتشخيصه الصحيح.
 والخوف أنْ يؤدي هذا الخلل مِن جانب بعض الأطباء الأفاضل بشأن "طريقة" فحص مرضاهم إلى استعانة المرضى بتقنية الذكاء الإصطناعي المجانية لتشخيص حالاتهم الصحية، ولا يخفى على حصيف خُطورَة هذا التَوَجُّه !!

  • logo
أكاديميات


  • د .محمد حمد القنيبط 
  • 2025-07-15

.... مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكرك على الإطلاع على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ، ولو إسما مستعارا ; للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو مراعاة أخلاق المسلم ; حتى لا نضطر لحذف التعليق
تقبل أجمل تحية
ملاحظة :
يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..