الأحد، 17 يناير 2016

الاستهلاك العشوائي يحوّل السعوديين من مدخرين إلى مقترضين

الأحد 7 ربيع الأخر 1437 هـ - 17 يناير 2016م - العدد 17373 , صفحة رقم ( 38 )
تحقيق التوازن بين الادخار والاستهلاك يحافظ على ميزانيات الأسر
الرياض – فهد الثنيان
    تشير الكثير من المعطيات الاجتماعية والاقتصادية، الى ان واقع الحال لمعظم أفراد المجتمع
الخليجي، يؤكد أن حجم إنفاقهم مرتفع جداً في بداية الشهر مقارنة بنهايته، بل يصل بهم الحال إلى حد الإفلاس في نهاية كل شهر، وبعضهم لا يستطيع أن يفعل أكثر من ذلك بسبب انخفاض مستوى الدخل مقارنة بحجم الإنفاق على الضروريات.

دعوات لربط التسعير بتكلفة الاستيراد مع تحديد نسبة الربح للسلع الغذائية والمنتجات الرئيسية ومن خلال هذه السلوكيات الخاطئة، فانه من المهم أن تنظم الأسر أنماط استهلاكها وقلب المعادلة من الاقتراض إلى الادخار، دون أن يكون لذلك تأثير جوهري على مستوى معيشتها.
وعلى مستوى أسعار السلع في السوق المحلي يرى العديد من الاقتصاديين في حديثهم ل «الرياض»، ان مؤشرات الأسعار العالمية لم تعد تؤثر في السوق السعودية، إلا في حال ارتفاعاتها حين يسارع بعض التجار إلى رفع أسعار المخزون والمعروض لديهم توافقاً مع ارتفاع الأسعار في بلد المنشأ، وكأنهم يتعاملون مع بورصة السلع، لا مخزونهم الذي تم استيراده منذ فترة طويلة وحين كانت الأسعار منخفضة.

مؤشرات الأسعار العالمية لم تعد تؤثر في السوق المحلي إلا في حال الارتفاع مشيرين بهذا الصدد بأن مؤشرات أسعار المواد الغذائية انخفضت عالمياً، ثم انخفضت أسعار النفط بنسبة 50%، ما تسبب أيضا في خفض تكلفة الإنتاج وبالتالي أسعار السلع عالميا، ثم ارتفع الدولار الأميركي مقابل العملات الرئيسة، وبالتالي ارتفع الريال أمام العملات الأخرى ما يعني خفض تكلفة الاستيراد عما كانت عليه من قبل، ومع كل المتغيرات السابقة تخالف أسعار السلع محلياً المنطق، واتجاهات الأسعار العالمية المنخفضة وتواصل ارتفاعها دون حسيب أو رقيب.

أسعار السلع محلياً تخالف المنطق واتجاهات الأسعار العالمية ارتفاع أسعار الطاقة والخدمات
ومع التطورات الأخيرة في الاقتصاد السعودي من خلال ارتفاع أسعار الطاقة والخدمات والتي من بينها البنزين والديزل والكهرباء والماء اصبحت ثقافة الادخار وتنظيم الأمور المالية من الضروريات والاولويات التي يجب ان يضعها المستهلكون نصب أعينهم.
وهناك عدة أساليب للادخار مثل تحديد نسبة ثابتة من الدخل تتراوح بين 10 و30%، حسب مستوى الدخل وعدد أفراد الأسرة، أو تحديد مبلغ مقطوع للادخار عن طريق إيداعه في حساب مستقل أو الدخول في جمعيات.

الوجاهة الاجتماعية» تحرم 52 % من السعوديين من الادخار وأفضل اساليب الدخل هو تحقيق التوازن بين الادخار والاستهلاك، وهذا يتطلب تحقيق التوازن بين حجم الاستهلاك في بداية الشهر مقارنة بنهايته من خلال تحديد الدخل المتاح للاستهلاك “الدخل الشهري مخصوماً منه المصاريف الثابتة كالإيجار وأقساط القروض، والمصاريف شبه الثابتة كفواتير الكهرباء والاتصالات وغيرها”.
وأظهرت دراسة اقتصادية حديثة، أن حوالي ثلثي السعوديين يعانون من أجل تحقيق التوازن بين نفقاتهم ودخلهم المالي ويجدون صعوبة بالغة في توفير المدخرات، سواء بسبب غلاء الأسعار أو نتيجة لضعف مهارات إدارة الأموال لديهم، فيما ساهمت الضغوط الاجتماعية في جعل بعض الأشخاص ينفقون أكثر مما يكسبون وبالتالي تتراكم عليهم الديون.
وكشفت الدراسة التي أجراها «مركز المعرفة» المتخصص في الدراسات والبحوث وبرامج التأهيل المعرفي، أن نحو 52% من السعوديين لا يدخرون على الإطلاق وبصعوبة بالغة يتمكنون من تغطية مصروفاتهم الحالية، فيما ترى نسبة 33% من المشاركين في الدراسة أن دخلهم المادي كاف لمصروفاتهم الحالية وأنهم قادرون على ادخار جزء من هذا الدخل في صورة نقد أو أموال مدفوعة في الاستثمار مثل شراء العقارات.
بينما كشف 15٪ عن أن وضعهم المالي غير مستقر على الإطلاق، وأنهم يعانون في سبيل التحكم بنفقاتهم في حدود الدخل الذي يحصلون عليه ويعتمدون على بطاقات الائتمان أو الاقتراض للتمكن من تغطية مصروفاتهم.
وحول أنواع النفقات أو الاستثمارات الأقرب لزعزعة استقرار ميزانية المشاركين في الدراسة ومدخراتهم التي خططوا لتوفيرها، كان الزواج وشراء المنازل، هما وجهي الإنفاق الأكثر شيوعا اللذين يفوقان الميزانية ويثقلانها، تلاه الدفع مقابل أمور الوجاهة الاجتماعية أو الترفيه، إلى جانب شراء السيارات وتعليم الأطفال والسفر والسياحة.
ثقافة الاستهلاك وبدائل للسلع
في البداية قال الأكاديمي الاقتصادي الدكتور سالم باعجاجة أن بعض الدراسات الميدانية أثبتت وجود نسبة كبيرة من أفراد المجتمع السعودي يفتقدون إلى ثقافة المستهلك من حيث الاستهلاك أو البحث عن بدائل للسلع التي ترتفع أسعارها.
مضيفا انة ينبغي على جمعيات حماية المستهلك وضع خطة استراتيجية واضحة ومحددة لتثقيف وتوعية المستهلك، تمكنه من التعامل مع السوق والحصول على السلع والخدمات في ظل الوعي الكامل للحقوق والواجبات.
وذكر أن هناك دولا قامت بوضع برامج تعليمية تتعلق بتوعية المستهلك من ناحية التعامل مع السلع لضمان سلامتها، والعنصر الأهم في ذلك هو المستهلك نفسه والدافعية الذاتية في توعيته للعمليات المتعلقة بسلوكه الشرائي، المستهلك يتطلع إلى توعية وتثقيف من عدة جوانب لكي تتوافر السلع والخدمات بشكل ميسر وبأسعار عادلة.
وقال إن قاعدة ” لا تدخر ما يتبقى بعد الصرف، بل اصرف ما يتبقى بعد الادخار” يعتبر مثالا حيا لكيفية الادخار، فادخار الفرد بنسبة 10% من الراتب شهرياً يغنيه عن الاقتراض من الأفراد أو البنوك وكلما ادخر أكثر تمكن من تنمية ثروته أكثر، وادخار أي شيء مهما كان قليلاً هو أفضل من عدم الادخار.
وأضاف: من انجح طرق الادخار اعتبار النسبة المستقطعة للادخار من الراتب الشهري أحد بنود المصروف الشهري، ويمكن ملاحظة ذلك في رصيد المبلغ الادخاري بعد فترة من الزمن، فالعديد من التجارب والشواهد وجدت أن معظم الناس الذين يتمتعون بدخل ثابت يؤقلمون مصاريفهم بحيث ينتهي الشهر برصيد صفر، حتى إذا زاد دخلهم فإنهم يشعرون بتأثيره في أول الأمر ثم ما تلبث عاداتهم الصرفية بالتأقلم مع دخولهم، ولهذا السبب نجد أن معظم محاولات الادخار التي تعتمد على إبقاء مبلغ آخر الشهر نهايتها الفشل، مما يجعل الحل الأمثل هو استقطاع مبلغ الادخار في بداية حصول الفرد على الدخل.
وأضاف ان الادخار لوقت الحاجة أو لضمان امتلاك المسكن واجب من منطلق الأخذ بالأسباب، وهو توجيه إسلامي له أصول شرعية، فالله عز وجل قال: «وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا».
وأفاد بأن ثقافة ترشيد الاستهلاك يجب أن تعمم في المجتمع، ونصح بأن تستهلك الأسر قدر حاجتها دون النظر نهائيا إلى الشكليات والمجاملات التي تضع عبئا على الأسر اقتصادياً.
ونوه باعجاجة بهذا الصدد الى أهمية دور جمعية حماية المستهلك التي بدورها تتبنى زيادة الوعي للأسر والتثقيف للمستهلكين بثقافة الادخار المهمة بالإضافة إلى تشجيع والحث على استهلاك المنتجات الوطنية المحلية لما لها من دور في دعم الاقتصاد الوطني.
مؤشرات الأسعار العالمية
وفيما يخص أسعار السلع في السوق المحلي قال ل»الرياض» المختص الاقتصادي فضل بن سعد البوعينين، إنه لم تعد مؤشرات الأسعار العالمية تؤثر في السوق السعودية، إلا في حال ارتفاعاتها حين يسارع التجار إلى رفع أسعار المخزون والمعروض لديهم توافقاً مع ارتفاع الأسعار في بلد المنشأ، وكأنهم يتعاملون مع بورصة السلع، لا مخزونهم الذي تم استيراده منذ فترة طويلة وحين كانت الأسعار منخفضة.
مضيفاً بأن مؤشرات أسعار المواد الغذائية انخفضت عالمياً، ثم انخفضت أسعار النفط بنسبة 50%، ما تسبب أيضا في خفض تكلفة الإنتاج وبالتالي أسعار السلع عالميا، ثم ارتفع الدولار الأميركي مقابل العملات الرئيسة، وبالتالي ارتفع الريال أمام العملات الأخرى ما يعني خفض تكلفة الاستيراد عما كانت عليه من قبل، ومع كل المتغيرات السابقة تخالف أسعار السلع محلياً المنطق، واتجاهات الأسعار العالمية المنخفضة وتواصل ارتفاعها دون حسيب أو رقيب.
لافتاً بهذا الخصوص بأن السوق السعودية تتعامل مع المؤشرات العالمية في حال الارتفاع وتتجاهلها في حال الانخفاض، حيث يتم توجيه نسبة الانخفاض في تكلفة الاستيراد إلى هامش ربح يضاف إلى جيب المتاجر، وهذا يعود لأربعة أسباب رئيسة، الأول: عدم كفاءة السوق بسبب احتكار القلة، وانعدام المنافسة المؤثرة في الأسعار.
واما السبب الثاني فهو ضعف رقابة وزارة التجارة التي عجزت عن كبح جماح الأسعار المنفلتة، والمنفصلة في حركتها عن الأسعار العالمية من جهة، وتكلفة الإنتاج من جهة أخرى، واما السبب الثالث فهو غياب مؤسسات المجتمع المدني التي يفترض أن يكون لها دور رئيس لحماية المستهلك.
واما السبب الرابع فهو ضعف تأثير المستهلكين أنفسهم، وتشتت جهودهم وعدم قدرتهم على تشكيل تحرك جماعي ضد ما يفعله بعض التجار الجشعين ممن يحتكرون استيراد المواد الغذائية الرئيسة.
ضعف الدور الرقابي
وفي هذا السياق انتقد البوعينين وزارة التجارة والتي قال إنها باتت تعتمد على مخزونها الدعائي الذي حققته من قبل، وتوقفت نهائياً عن حماية المستهلكين من معضلة ارتفاع الأسعار الممنهج.
مشيراً بأن وزارة التجارة مطالبة بأن تركز بشكل أكبر على حماية سلة الغذاء الرئيسة للمستهلكين، فالدول المجاورة نجحت في ضبط أسعار أكثر من 400 منتج في أسواقها، وأسهمت حكوماتها في توفير الغذاء بأسعار معقولة، ومدعومة، في الوقت الذي يعاني فيه المستهلك السعودي من غلاء فاحش، واستغلال غير مبرر للدعم الحكومي الذي لم يستفد منه المستهلك قط، بل يذهب لجيب التجار بسبب آلية إيصال الدعم التي تسمح بالالتفاف عليها من قبل التجار.
وقال الاقتصادي البوعينين: «غلاء المعيشة بات ينخر في جيب المستهلك المثقوب أصلا، والارتفاعات الممنهجة في المواسم تزيد من معاناة المستهلكين، فمن يتحمل المسؤولية إن لم تتحملها وزارة التجارة، والجهات الرسمية بشكل عام».
وحول ابرز الحلول لحل هذه الاشكالات أوضح البوعينين بأن من اهم الحلول هو تشديد الرقابة من قبل وزارة التجارة وربط التسعير بتكلفة الاستيراد مع تحديد نسبة الربح بالنسبة للسلع الغذائية والمنتجات الرئيسة.
وكذلك تفعيل دور وزارة التجارة في التسعير في حال الارتفاع غير المبرر للسلع والمنتجات، وتفعيل دور جمعية حماية المستهلك، بالاضافة الى إعادة توجيه الدعم وفق آلية الدعم الذكي الذي يصل للمستحقين ولا يسمح باستغلاله من التجار مع تفعيل دور المستهلكين للضغط على التجار من اجل حماية مصالحهم والتوسع في انشاء الجمعيات التعاونية في جميع مناطق المملكة.

جميع مؤشرات أسعار المواد الغذائية انخفضت عالمياً

انخفضت أسعار النفط 50% ولم تنعكس على السلع المحلية

نصف السعوديين لا يدخرون ويجدون صعوبة بالغة في تغطية مصروفاتهم الحالية
د. سالم باعجاجة

_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكرك على الإطلاع على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ، ولو إسما مستعارا ; للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو مراعاة أخلاق المسلم ; حتى لا نضطر لحذف التعليق
تقبل أجمل تحية
ملاحظة :
يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..