مقالتي اليوم كتبتها من أمام بحيرات جبل فوجي باليابان. .
كنت أقول لنفسي قبل أقل من عامين:
كنت أقول لنفسي قبل أقل من عامين:
"لن آتي اليابان مرة أخرى، فلست رجل أعمال ولا تجارة، وبلاد الشمس المشرقة هذه لا تستحق من إعلامي
مثلي قطع آلاف الأميال المنهكة هذه". بيد أنني أخلفت وعدي، وأكتب الآن من أمام بحيرات "جبل فوجي" الساحرة هناك، وقد طلبتني والدتي الغالية وألحّت بالذهاب بها إلى هناك، وقد أمضّها الشوق لبعض أبنائها هناك.
أول ملاحظة لي في اليابان، انخفاض الأسعار لسائح مثلي مقارنة بما كانت عليه إبان زيارتي الأولى، وكم أسعدني هذا، فقد كنت أتلوى من هول الغلاء في طوكيو، حيث السلعة الواحدة تضربها في خمس أو ست أضعافها على الأقل مقارنة بما لدينا في السعودية، ولكن في هذا العام نزل المعدل قليلا، طبعا بالنسبة لأسعارهم، وإلا فإنها تظل غالية على الطبقات الوسطى أمثالنا، ومعروف أن اليابان من أغلى دول العالم على الإطلاق.
وقتما سألت عن سبب انخفاض الأسعار الجزئي بالنسبة لرجل مثلي لا يدفع الضرائب؛ أفادوني بأن سعر صرف الين مقابل الدولار إبان زيارتي الأولى نزل بحوالي 20 إلى 25%، لذلك شعرت بهذا الفرق الكبير في الأسعار.
على الفور تذكرت وزيرنا للتجارة د. توفيق الربيعة، وقد ناشدته في برنامج "حراك" وهنا في مقالاتي بهذه الصحيفة الرائدة أن يفكّ لنا هذه الأحجية المستعصية علينا، فالين الياباني نازل من سنوات، والبترول منخفض جدا، ومفترض أن تنزل أسعار السيارات اليابانية وكل الإلكترونيات والبضائع التي نستوردها من تلك البلاد، بما تلمسته الآن في طوكيو.
وما يعرفه المواطن والمستهلك في بلادي أن أسعار هذه السيارات في ازدياد، فلم نستفد من نزول الين ولا انخفاض البترول، بل حتى ولو صنّعها أصحاب الشركات هذه خارج اليابان، من المفترض أن تنزل أسعارها بسبب البترول المنخفض لأكثر من النصف، وبحساب رياضي بسيط؛ كان من الواجب انعكاس هذا إيجابا، في نزول لافت لأسعار السلع، فلماذا هذا الغلاء؟
السؤال الذي يلوب: هل لأن وزارة التجارة لها خطوطها الحمراء، ولا تطال هوامير السيارات ولا تقترب منهم؟ أم أن المسألة تمشي بشكل صحيح، والأسعار التي تفرضها هاته الشركات علينا عادلة في حقنا؟ ليت المتحدث الرسمي للتجارة أو وزيرنا الربيعة يتكرم على المواطنين أمثالنا، ويفك لنا هذا الطلسم الذي وقفت وكثيرون غيري عاجزين عن الفهم. والقضية عندي وعند غيري: "لا ضرر ولا ضرار"، يأخذون أرباحهم العادلة، فهي حق لهم، ولكن ليس بما كانوا عليه من سنوات طويلة، يربحون منا كمستهلكين غُفل، يسوموننا بسوط الغلاء والتلاعب بالأسعار، ولا تدري وزارة التجارة بنا ولا تدافع عن حقوقنا.
في زيارتي الأولى، التقيت بعض أبنائنا المتفوقين باليابان، ولفت نظري طالب متميز في مرحلة الماجستير اسمه عثمان المزيد، خصص بحثه في أسباب استمرارية الشركات اليابانية وتعميرها، وصدمني بمعلومة لم أصدقها البتة، عندما قال إن ثمة شركات اليوم في اليابان عمرها أكثر من ألف عام، ودارت بي ذاكرتي عن الحربين العالميتين، وكل الحروب الأهلية والساموراي، ومدة ألف عام مدة طويلة جدا، أبيدت فيها دول وإمبراطوريات ونشأت أخرى، وليست شركات عائلية فقط،
المهم أن عقليتي العلمية رفضت تقبل هذه المعلومة منه، وطالبته –بأدب ولطف- بالمرجع لكلامه، وافترقنا بعد ذلك، لأفاجأ بعد أسبوع من عودتي للسعودية بأن الابن أرسل لي كتابا بعنوان: "عملت ألف عام - دولة الشركات المعمرة اليابان" للبروفسور نومورا سوسومو في قسم التنمية الدولية في جامعة "تكشوكو Takushoku" اليابانية، وقد أصدر كتابه عام 2006م.
تذكرت من فوري عشرات الشركات العائلية في السعودية التي تدخل مرحلة موت سريري أو تفكك، بفعل اختلاف الورثة حال موت كبير العائلة، وفي تصوري أن دراسة أمثال هذه التجارب الموجودة في الشركات العائلية اليابانية، يمكن أن تسهم في القضاء على أسباب الخلاف بين الورثة، وتطويل عمر الشركات العائلية بالسعودية.
الدراسة تقول إن عدد الشركات في اليابان يربو على المليون وخمسمائة شركة. يمثل عدد الشركات المعمرة (المسجلة في الغرفة التجارية الصناعية التابعة لطوكيو) أكثر من خمس عشرة ألف شركة، تزيد أعمارها على المائة عام. على حسب إحصاءات وتوقعات المختصين والباحثين في الجامعات والشركات اليابانية أن الشركات المعمرة التي تشمل المحلات التجارية الصغيرة والعائلية التي يبلغ عمرها أكثر من مائة سنة، والتي لم يتم تسجيلها في الغرفة التجارية الصناعية يصل عددها إلى أكثر من مائة ألف شركة على الأقل.
أقدم شركة في العالم توجد في اليابان ويبلغ عمرها أكثر من ألف وأربعمائة عام، واسم هذه الشركة هو "كونغو غومي المساهمة المحدودةKongo Gumi Co.,Ltd". وهي شركة عائلية للإنشاءات والعمارة، وجدت من عام 578م. في عصر الآسوكا، ويقع مقرها في مدينة "أوساكا" في اليابان، وكم هو رائع أن يهتم رواد الشركات العائلية السعودية بمثل هذه التجربة في تلك البلاد.
بالتأكيد في جعبتي الكثير والكثير مما رأيت في اليابان، ربما سأكتبه في المقالات المقبلة، وقد طالبت قبلا بالتوسط في حكمنا على التجربة اليابانية هناك، فبعض الإعلاميين بالغ جدا في مديحه، وعندما أتينا هنا؛ رأينا مثالب وعيوبا، جعلتنا نجابههم بأنه لا يصح منهم هذا التدليس،
وفي المقابل أيضا ثمة نهضة كبرى، وثقافة رائعة ينسلك فيها اليابانيون، تجعلنا نحترم فيهم ذلك الانضباط والسلوك.
بلاد الشمس المشرقة لا تنفك أبدا عن سحرنا بالجديد.
المصدر
------------------------
------------------------
بقلم:عبدالعزيز قاسم
صحيفة الوطن
صحيفة الوطن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكرك على الإطلاع على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ، ولو إسما مستعارا ; للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو مراعاة أخلاق المسلم ; حتى لا نضطر لحذف التعليق
تقبل أجمل تحية
ملاحظة :
يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..