الاثنين، 5 مايو 2014

كلام أهل العلم في مسألة المقاطعة التجارية

جمعُ كلام أهل العلم السلفيين في المقاطعة

الحُجة القاطعة في حكم المقاطعة

الحمد لله, نحمده, ونستعينه, ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضلَّ له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد,
فلتعلم رعاك الله بأن الإنسان محاسب على كل كلمه تخرج من فيه, لقوله تعالى (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ), وقد سمعت المسدد الموفق ابن عثيمين رحمه الله يقول لأحد طلبته: أنك تملك

الكلمة مادامت في فيك, فإذا خرجت فهي تملكك.أهـ بتصرف
ولذلك فقد أمرنا الله جل في علاه بالقول السديد والكلام المفيد في ديننا ودنيانا, قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا).
وقد كثر الحث من بعض الناس في السنون المتأخرة على دعوة جعلوها عبادة وقربه إلى الله العليم الحكيم, وليت من دعى إلى هذه الدعوة أستند إلى حكم شرعي معتبر, بل تستغرب أخي في الله لو علمت بأن كبار العلماء يعارضون هذه الدعوة الباطلة!!.
وقد تسأل رحمك الله, ماهي هذه الدعوة, ومن حكم للناس بأنها قربة وطاعة, وعلى أي أساس بُني هذا الحكم؟؟
أقول مستعينا بعالم الغيب الشهادة الرحمن الرحيم,
الدعوة هي مقاطعه مايسمى بالمنتجات الأجنبية ومنّ لا يفعل فهو آثما قلبه وعوناً للكفرة!!!
والحكم لبعض ما يسمى بعلماء الأمة وهم كُثر من يتسمون بعلماء الأمة اليوم!!
وبُني الحكم على أساس الحرب على أعداء الإسلام!

وأنك لِتستغرب يا باغي الحق من فعل الداعين لهذه الدعوة المسماة (المقاطعة) هداهم الله, والكيل بمكيالين مع المنتجات, فيدندنون على أمور بسيطة كالمأكولات والمشروبات, ويتغاضون عن السيارات والأجهزة الإلكترونية مثل الحاسوب, وإذا هربوا يهربون من دول الغرب الكافر إلى دول الشرق المشرك, وينسون أو يتناسون بأن الكفر والشرك ملة واحده كما قال ذلك ابن كثير في تفسير قوله تعالى { وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى }
قال رحمه الله: حيث أفرد الملة على أن الكفر كله ملة واحدة.أهـ


فلتعلم يا مّن تريد أن تعلم بأن هذه الدعوة باطله مردودة على قائلها بكتاب رب العالمين وبسنة سيد المرسلين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

المخالفة الأولى لهذه الدعوة (المقاطعة), إنها تخالف فعل الرسول عليه الصلاة والسلام في عين هذه المسألة, فقد توفي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي في طعام لأهله, فقد جاء في صحيح البخاري، عن عائشة رضي الله عنها قالت: توفي النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين. يعني صاعا من شعير.
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد دسوا له السم أبناء القردة والخنازير في كتف شاة في خيبر من قبل, بل قال الزهري رحمه الله: إن النبي صلى الله عليه وسلم مات بقتل اليهود له, وصح في البخاري قوله عليه الصلاة والسلام: (يا عائشة، ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت إنقطاع أبهري من ذلك السم).
أي قد ظل  يرى أثر تلك الأكلة التي في خيبر حتى توفي, ومع هذا أستمر يتعامل معهم صلى الله عليه وسلم, وفي هذا إخبار بجواز التعامل معهم في ما أحل الله لنا فلا يجوز تحريم شراء الأكل منهم أو غير ذلك ولو كان فيه مصلحه لفعله خير العابدين صلى الله عليه وسلم فلا يجوز مخالفته وادعاء المصلحة فيما لم يفعله عليه الصلاة والسلام لقوله: ( ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله إلا وقد أمرتكم به وما تركت شيئاً يبعدكم عن الله إلا وقد نهيتكم عنه ).

فلا تعتقد رحمك الله بأن الله سبحانه يتوفى رسوله عليه الصلاة والسلام ودرعه مرهونة عند اليهودي في طعام لأهلة صدفة أو عرضاً ولكن هذا تدبير من العليم الحكيم سبحانه.
وقد فعل اليهود أشنع الأفعال من سب لله سبحانه وتعالى عما يصفون بقولهم { يد الله مغلولة} لعنوا بما قالوا, وقولهم {الله فقير ونحن أغنياء} قبحهم الله,
ولنا في قصة أبا بكر رضي الله عنه وفنحاص اليهودي عبره, لما سمع الصديق هذا القول من فنحاص لعنه الله فلطمه ابوبكر وقال رضي الله عنه: فلولا هدنة كانت بـين النبـيّ صلى الله عليه وسلم وبـين بنـي مرثد لقتلته.(الطبري)
أنظر رحمك الله لوقوف الصحابة عند الأمر والنهي, فهذا اليهودي يتهم رب العزة بالبخل وهو الكفر البين ومع هذا يتذكر الهدنة الصديق مؤمناً ومصدقاً لأمر الله وأمر رسوله ولم يغلبه الحماس فيتعدى أمر الله وأمر رسوله فيقتل اليهودي.
ومع هذا الفعل اليهودي المشين ورغم أن الله أنزل فيه القرآن من فوق سبع سماوات تصديق للصديق وغيرها من الأفعال كما سبق ذكرها, لم ينقل أن الرسول  وأصحابه فعلوا مثل هذه المقاطعة الباطلة اليوم.
فكل عمل يُرى فيه مصلحة لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان المقتضي قائم لفعله فلا يعتبر مصلحة بل تسمى من المصالح الملغاة كما قرر ذلك جمع من أهل العلم منهم شيخ الإسلام ابن تيميه في الفتاوى.

يقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في المباح من التعامل مع الكفار:
أما ما يجوز لنا من التعامل مع الكفار فهو التعامل المباح نتعامل معهم بالتجارة، ونستورد منهم البضائع، ونتبادل منهم المنافع، ونستفيد من خبراتهم، نستقدم منهم من نستأجره على أداء عمل كهندسة أو غير ذلك من الخبرات المباحة، هذا حدود ما يجوز لنا معهم.أهـ

وكذلك فهذه الدعوة (المقاطعة) هي من قبيل جعل المباحات قربات إلى الله وهذه
مخالفة ثانيه لا تجوز باتفاق أهل العلم.
فلا يجوز ترك بعض الأكلات أو المشروبات المباحة وغيرها من الطيبات وجعل هذا الفعل قربه وعبادة تبتغي بها وجه الله, فقد أنكر الرسول عليه الصلاة والسلام على أحد أصحابه وقد حرم أكل اللحم على نفسه قربه إلى الله وقال له: من رغب عن سنتي فليس مني, وهذا من المذموم في هذه الدعوة هداك الله فلتتنبه!!


يقول شيخ الإسلام ابن تيميه في كتاب العبادات الشرعية:
فإن الدّين أصله متابعه النبي  وموافقته بفعل ما أمرنا به وشرعه لنا وسنَّه لنا, فأما الفعل الذي لم يشرعه هو لنا ولا أمرنا به ولا فعله, فهذا ليس من العبادات والقُرب, فإتخاذ هذا قُربه مخالفة له  , وما فعله من المباحات على غير وجه التعبد يجوز لنا أن نفعله مباحاً كما فعله مباحاً, ولكن هل يشرع لنا أن نجعله عبادة وقُربه؟؟

فأكثر السلف والعلماء على أنا لا نجعله عبادة وقُربه, فأن فعله مباحاً فعلناه مباحاً, وإن فعله قُربه فعلناه قُربه.أهـ

فالتذرع بمحاربه الكفار أقتصادياً ومناصرة أخواننا المسلمين بمقاطعه المنتجات التي هي في الأصل من الطيبات المباحة لنا شرعاً تصبح من الطاعات التي نرجو بها القُربه من الله فتدخل في معنى العبادة وبالتالي تصبح مخالفه صريحة لهدي النبي  كما بيّن ذلك ابن تيميه رحمه الله في كلامه السابق فلتتنبه رحمك الله.
فالقول المطلق بتحريم المنتجات الأجنبية على المسلمين وجعل تركها عبادة وقُربه إلى الله هو من الابتداع المذموم في الدين وهو بجعل المباحات من قبيل الطاعات هو قول ليس له مستند شرعي بل يوجد ما يعاكسه من هدي النبي عليه الصلاة والسلام وأقوال سلف الأمة.

وبهذا الاعتقاد تدخل هذه الدعوة في
مخالفة ثالثه وهي تحريم ما أحل الله وهذا اعتداء لا يرضاه الله وقد نهانا عنه أشد النهي قال تعالى {‏لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ‏}.
يقول الشاطبي رحمه الله في الاعتصام:
التارك لما أحل الله يصير عاصيا بتركه أو باعتقاده التحريم, وأما إن كان الترك تدينا فهو الابتداع في الدين على كلتا الطريقتين إذ قد فرضنا الفعل جائزا شرعا فصار الترك المقصود معارضة للشارع في شرع التحليل وفي مثله نزل قول الله تعالى {‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِين‏} فنهى أولا عن تحريم الحلال ثم جاءت الآية تشعر أن ذلك اعتداء لا يحبه الله.أهـ

وأنك لتتعجب أخي في الله من المتكلمين بالدعوة إلى هذه المقاطعة وجعلوها دين ندين الله بها فا يصبح الذي لا يقاطع, عدواً للدين موالياً لأعداءة مساعداً لهم على أخواننا المسلمين!!
سبحانك ربنا هذا بهتان عظيم.!!
نقول كما تقولون الواجب على المسلمين التكاتف والتعاون على أعداء الدين, والأفضل للمسلم أن يقتني المنتجات المسلمة خير له من منتجات أعداء الإسلام.
لكن !!
لا نحرم على أنفسنا ما أحل الله من الطيبات بدعوة باطله لم يفعلها نبي الرحمة  ولا أصحابة من بعده فهذا هو التنطع في دين الله.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى:
والدين كله مأخوذ عن الرسول ليس لأحد بعده أن يغير من دينه شيئا هذا دين المسلمين بخلاف النصارى فإنهم يجوزون لعلمائهم وعبادهم أن يشرعوا شرعا يخالف شرع الله قال تعالى :( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون) قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنهم أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم فكانت تلك عبادتهم إياهم ) ولهذا كان أئمة المسلمين لا يتكلمون في شيء أنه عبادةٌ وطاعةٌ وقربةٌ إلا بدليل شرعي وإتباع لمن قبلهم لا يتكلمون في الدين بلا علم.أهـ

فالذي أفتى الأمة وأقنعها بهذه الدعوة الباطلة لم يستند إلى دليل شرعي يطابق هذه المقاطعة بل تجدهم فرضوها على الناس بالاستحسان وباستغلال عواطف المسلمين لما تعانيه الأمة من هزائم وانتكاسات لابتعادهم عن دين الله, فليتهم ساقوا الأمة لأسباب النصر والعزة الحقيقية وهي العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام على ماكان علية سلف الأمة من الصحابة الكرام متمثلين قول الإمام مالك رحمه الله: ما لم يكون يومئذاً ديناً لا يكون اليوم ديناً, ولن يصلح أخر هذه الأمة الأ ما صلح به أولها.أهـ

فالاستحسان في دين الله مما ليس من دين الله هو سبب المصائب والضلالة لجميع الأمم السابقة كاليهود والنصارى وكذلك من بعدهم من الفرق الضالة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

قال الشافعي رحمه الله: من استحسن فقد شرّع.أهـ
قال تعالى‏ ‏{‏أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ‏}‏
يقول شيخ الإسلام ابن تيميه معلقاً على هذه الآية:
فمن ندب إلى شيء يتقرب به إلى الله، أو أوجبه بقوله أو فعله، من غير أن يشرعه الله، فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله، ومن اتبعه في ذلك، فقد اتخذ شريكًا لله شرع في الدين ما لم يأذن به الله، فمن أطاع أحدًا في دين لم يأذن الله به ـ من تحليل، أو تحريم، أو استحباب، أو إيجاب ـ فقد لحقه من هذا الذم نصيب، كما يلحق الآمر الناهي‏.أهـ

أما الذين استدلوا بفعل الرسول عليه الصلاة والسلام في حروبه مع الكفار, فنقول نعم والله أنه حق وهذا هو الحق وليس غيرة, فالرسول  هو ولي أمر المسلمين وله أن يقرر ما يراه فيه مصلحه رعيته ومع هذا لم يكن هذا فعله عليه الصلاة والسلام على الدوام بل كان سلاح يستخدمه أحسن الإستخدام متى دعته الحاجة بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.

ومنهم من أستدل قصة الصحابي الجليل ثمامة بن أثال الحنفي رضي الله عنه,
جاء في مسلم, أنه بعد أن أسلم ثمامه بن أثال الحنفي رضي الله عنه قدم على قريشٍ، قالوا: صَبَوتَ يا ثمَامة قال: لا والله، ولكني أسلمت مع محمد ، ولا والله لا يأتيكم من اليمَامَة حَبة حنطَةٍ حَتى يأذَنَ فيها رسول الله .(و كان رضي الله عنه سيد قومه)
وكانت اليمامة ريفَ مكة، فانصرف إلى بلاده، ومنع الحملَ إلى مكة حتى جَهدَت قريش، فكتبوا إلى رسول الله يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامةَ يخلى إليهم حملَ الطعام، ففعل رسول الله .
فليس في هذه القصة ما يستدل بها على هذه المقاطعة الباطلة من عدة أوجه:
ـ أن ثمامة رضي الله عنه كان سيد قومه وهو من دعا ونفذ هذا العمل.
ـ قول من أستدل بهذه القصة أن الرسول عليه الصلاة والسلام أقر ثمامة رضي الله عنه على المقاطعة وهذا غير صحيح, فلما علم الرسول عليه الصلاة والسلام أمر باأنهاها ولنا في فعله صلى الله عليه وسلم مع اليهودي دليل على عدم أقراره, فإن الشريعة لا تفرق بين المتماثلات ولا تجمع بين المختلفات.
ـ وإذا سلمنا لهم جدلاً وليس اتفاقا بأن النبي  وهو ولي أمر المسلمين ذلك الوقت قد أقر ثمامة رضي الله عنه في أول أمره, فهل أقركم ولي الأمر يا دعاة المقاطعة
؟؟

وهذه هي المخالفة الرابعة لهذه الدعوة الباطلة (المقاطعة) لما فيها من الافتئات على ولي الأمر من الأمراء والعلماء,
ولننظر اليوم مّن هم الذين يدعون المسلمين لهذه المقاطعة ما هم الأ أفراد نصبوا أنفسهم علماء للمسلمين وقد ضيعوا شبابها من قبل بمثل هذه الفتاوى الحماسية الخالية من الفقه في الدين العامرة بالهوى واللين.
أما علماء الحق فقالوا كلمه الحق التي توافق فعل رسولنا  وربطوا هذا الأمر بولي أمر المسلمين, ولم يأبهوا بمن تكلم وشنّع بالقول لأنهم يعرفوا قوله  { من التمس رضى الله بسخط الناس رضى الله تعالى عنه وأرضى الناس عنه ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس } الترمذي وابن حبان (صحيح).


فإليك رعاك الله قول شيخ الإسلام في معامله الكفار بالبيع والشراء وهم التتار في ذاك الوقت وتعرف أخي في الله ما فعل التتار بالمسلمين, فلتقرأ قول ابن تيميه رحمه الله: وقد سئُل عن معاملة التتار: هل هي مباحة لمن يعاملونه؟
فأجاب: أما معاملة التتار، فيجوز فيها ما يجوز في أمثالهم، ويحرم فيها ما يحرم عن معاملة أمثالهم، فيجوز أن يبتاع الرجل من مواشيهم، وخيلهم، ونحو ذلك، كما يبتاع من مواشي التركمان، والأعراب، والأكراد، وخيلهم، ويجوز أن يبيعهم من الطعام والثياب ونحو ذلك، ما يبيعه لأمثالهم.أهـ

وقد أجمع أكابر علماء المسلمين أمثال ابن باز وابن عثيمين والفوزان وآل الشيخ واللجنة الدائمة على عدم جواز ما يسمى بمقاطعة المنتجات الأجنبية واعتبروا هذا الأمر من قبيل تحريم الحلال وربطوا هذا الأمر بولي أمر المسلمين في كل دوله.

وهذه
فتوى اللجنة الدائمة العلمية والإفتاء رقم(21776) وتاريخ 25/12/1421 هـ في حكم المقاطعة:

السؤال:
يتردد الآن دعوات لمقاطعة المنتجات الأمريكية مثل بيترا هت وماكونالدز… إلخ فهل نستجيب لهذه الدعوات وهل معاملات البيع والشراء مع الكفار في دار الحرب جائزة؟ أم أنها جائزة مع المعاهدين والذميين والمستأمنين في بلادنا فقط؟


الجواب:



يجوز شراء البضائع المباحة أيا كان مصدرها, ما لم يأمر ولي الأمر بمقاطعة شيء منها لمصلحة الإسلام والمسلمين, ولأن الأصل في البيع والشراء الحل كما قال تعالى { وأحل الله البيع }, والنبي صلى الله عليه وسلم أشترى من اليهود.
وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن ابن غديان عضو
الشيخ صالح بن فوزان الفوزان عضو
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ رئيس اللجنة الدائمة للإفتاء

وقد سئل سماحة الشيخ الأمام عبد العزيز بن باز رحمه الله


قال السائل :

أحسن الله إليك : إذا علم أن هذا التاجر رافضي وان بضاعته معروفة عند الناس، هل يحذر منه عل أساس أنهم ما يشترون منه أحسن الله إليك؟


ثم قال السائل :

ثم فيه بضائع موجودة بالسوق ومعروفة من صاحبها أنه رافضي هل يحذر الناس منه فيقال لا تشتروا هذه البضائع حتى أنهم ما يدعمونه حتى ما يكون له دعم؟


الجواب:

هذا محل نظر. الشراء من الكفرة جائز والنبي صلى الله عليه وسلم اشترى من اليهود اشترى منهم ومات ودرعه مرهونة عند يهودي في طعام لأهله, لكن يبين له عقيدتهم حتى لا يتخذهم أصحاب ولا رفقاء. أما كونه يشتري منهم شيء إذا دعت الحاجة لشرائه الأمر سهل. ولا يواليهم ويأكل طعامهم ولا ذبيحتهم وذبيحتهم محرمة.

فقال السائل: يكون أولى لو أشترى من غيرهم؟

فأجاب الشيخ: المقصود الحذر من الموالاة والمحبة أو التساهل معهم أو تمرير أعمالهم والتساهل فيها، يبين للناس كفرهم وضلالهم بأن هذه من أعمالهم.

الاسئلة والاجوبة من شرح الاصول الثلاثة

وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
هذا السؤال: يوجد مشروب يسمى مشروب الكولا تنتجه شركه يهودية فما حكم شراء هذا المشروب وحكم بيعه وهل هذا يكون من التعاون على الإثم والعدوان أو لا؟
أجاب فضيلته رحمه الله: ( ألم يبلغك بأن النبي صلى الله عليه وسلم أشترى من يهوديا طعام لأهله ومات ودرعه مرهونا عند هذا اليهودي , ألم يبلغك بان الرسول عليه الصلاة والسلام قبل الهدية من اليهود , وألم يبلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب دعوة اليهودي.....).

( الباب المفتوح 61-70)

السؤال:
فضيلة الشيخ مارأي فضيلتكم في نشر فكرة مقاطعة المنتجات والمواد الأستهلاكية والمنتجات الأمريكية الصنع للمساهمة في زيادة تدهور اقتصادها لما لها من نشاطات ومواقف شيطانية ضد المسلمين؟
الجواب:
أشتر ما أحل الله لك واترك ماحرم الله عليك
( شريط لقاء الباب المفتوح رقم 64)

فتوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان
السؤال:
فضيلة الشيخ وفقكم الله ، يكتب في الصحف هذه الأيام الدعوة لمقاطعة البضائع الأمريكية وعدم شراءها وعدم بيعها ومن ذلك ماكتب في هذا اليوم في إحدى الصحف من أن علماء المسلمين يدعون إلى المقاطعة وأن هذا العمل فرض عين على كل مسلم وأن الشراء لواحدة من هذه البضائع حرام ، حرام وأن فاعلها فاعلٌ لكبيرة ومعين لهؤلاء ولليهود على قتال المسلمين فأرجو من فضيلتكم توضيح هذه المسألة للحاجة إليها وهل يثاب الشخص على هذا الفعل؟

الجواب:
أولاً: أطلب صورة أو قصاصة من هذه الجريدة ومن هذا الكلام الذي ذكره السائل .
ثانياً: هذا غير صحيح. العلماء ما أفتو بتحريم الشراء من السلع الأمريكية ، والسلع الأمريكية مازالت تورد وتباع في أسواق المسلمين ، ولاهو ضار أمريكا إذا منك ما أشتريت منها من سلعها ماهو ضارها هذا ، ماتقاطع السلع إلا إذا أصدر ولي الأمر إذا أصدر ولي الأمر منعاً ومقاطعة لدولة من الدول فيجب المقاطعة أما مجرد الأفراد أنهم يبون يسوون هذا ويفتون فهذا تحريم ما أحل الله لايجوز.

( المرجع شريط فتاوى العلماء في الجهاد والعمليات الأنتحارية بتسجيلات منهاج السنة بالرياض)
وختاماً أقول والعون من الله سبحانه وحده لا شريك له,
المسلم له في خاصة نفسه أن يتعامل مع الكفار وله أن يترك التعامل معهم ولكن لا يجعل الفعل أو الترك قربه وطاعه يتقرب بها الى الله سبحانه ولكن يفعله مباحاً كما فعله رسول الهدى بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام, وأن ترك التعامل لا يدعو الناس الى ذلك الأ أن يأمر ولي الأمر بذلك فيجوز له حث الناس على هذا الفعل لأنه بطاعة ولي الامر هو يتقرب الى المولى عز وجل لا بترك التعامل معهم, والله أعلم
وصلي اللهم على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
منقول من الآجري

حكم مقاطعةِ منتجات الكفار ؟

للعلامة عبيد بن عبد الله الجابري


http://ar.miraath.net/sites/default/...Obaid_5_24.mp3

أو

http://ar.miraath.net/fatwah/3794

التفريغ


السؤال:

وهذا يسأل عن حكم مقاطعةِ منتجات أهل الكفر؟

الجواب:

هذا ليس في السمت الأول عند أهل الإسلام، لم يقاطع النبي - صلى الله عليه وسلم - الكفار اليهود والنصارى وغيرهم، ولم يقاطع كذلك الخلفاء الأربعة ولا من بعدهم من خلفاء الإسلام، فأول ما حدثت المقاطعة من الرافضة فكانوا لا يشربون من آبار حفرها يزيد بن معاوية - رضي الله عن معاوية - ولا يأكلون من الجبن والفواكه التى ترد من الشام، فانتهج هذا كثيرٌ من المتحزبة الذين لا يفقهون التعامل حق فقهه.

....
أو




حكم مقاطعة المنتجات الأمريكية

للعلامة ابن عثيمين

حكم مقاطعة المنتجات الإمريكية للمساهمة في تدهور اقتصادها

و


...
أو

othaimeen-moqatq.rm

حكم الشيخين في مقاطعة منتجات الكفار

الإمام ابن باز والإمام ابن عثيمين

حكم الشيخين في مقاطعة منتجات الكفار


أو

http://www.4shared.com/music/FUE75XjD/_______-___.html

....
أو


...



ما تقاطع سلع الكفار إلا إذا أمر ولي الأمر بالمقاطعة

العلاّمة الشيخ صالح الفوزان

ما تقاطع سلع الكفار إلا إذا أمر ولي الأمر بالمقاطعة


أو




....


سئل الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان ـ حفظه الله ـ :

إذا علمنا أن ولي الأمر لم يأمرنا بقاطعة المنتجات الدنماركية ولم ينهنا عن ذلك فهل لي شخصيا أن أقاطعهم لعلميأنهم يتضررون من ذلك المقاطعة نصرة لنبينا صلى الله عليه وسلم ؟فأجابحفظه الله:


هذه المسألة فيها تفصيل :


أولا : إذا أمر ولي الأمربمقاطعة دولة من الدول وجب على الجميع أن يقاطعوها لأن هذا من مصلحتهم ومن مضرةالعدو وطاعة لولي الأمر .


أما إذا لم يأمر ولي الأمر بمقاطعة فالإنسانبالخيار إن شاء أن يقاطع هو بنفسه وإن شاء ألا يقاطع , هو بالخيار في هذاالأمر.نعم.


السائل: إذا قاطع تعبد يا شيخ؟

الشيخ : ما أدري إن كان تعبد ما أدري ، من المباح مباح هذا يكون من المباح،نعم. أما إذا أمر به ولي الأمر يكون من التعبد لأن طاعة ولي الأمر أمر الله بها نعم.

من محاضرة أصول تلقي العلم وضوابطه التي ألقاهاالشيخ يوم الخميس 11/محرم/1427


...حكم مقاطعة المنتجات الدنمركية والأمريكية والدعوة لذلك والألزام بها

بسم الله الرحمن الرحيم


ذهب الآمرون بالمقاطعة علنا والألزام بها حتى قال بعضهم أنها أوجب من الصلاة إلى أدلة إنما هي شبه مثل بيت العنكبوت وأن أوهن البيوت لبيت العنكبوت قد ذكرت في منبر الأسئلة كقوله تعالى وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر 0000فليرجع أهليها وأقول هنا :


لايجوز الإستدلال بما ذكر على وجوب المقاطعة أولا لأن أصحاب تلك الشركات مدنيون ليس بحربيين فلايجوز قتلهم ولادليل على وجوب مقاطعتهم وقد مات النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي ولم يمنعهم النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة من معاملة المنافقين واليهود بالبيع والشراء والإجارة بل كان علي قد نضح ليهودي كل دلو بتمرة
فمن أراد أن يقاطع بنفسه وشخصه من آذى الله ورسوله كالدنمركيين الذين رسموا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك الشخصيات الهزلية قاتلهم الله للشركات حتى يتم الضغط على حكومتهم من طريق شركاتهم فلابأس ولكن أن يدعى الناس إليها من طريق المنابر ويلزموا بها حتى أني سمعت بعضهم يقول المقاطعة أوجب من الصلاة فهذا الذي لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم انه ألزم به حتى وقت أذية المنافقين واتهام فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم بمابراها الله منه
وإنما جاءت المقاطعة الفردية بما أذن له ولي الأمر فيما رواه البخاري في صحيحه في قصة ثمامة وقاطعته
فقال البخاري حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ

سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ

بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ

النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ فَقَالَ عِنْدِي خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ

ذَا دَمٍ وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ فَتُرِكَ حَتَّى كَانَ الْغَدُ ثُمَّ

قَالَ لَهُ مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ قَالَ مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ فَتَرَكَهُ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ

فَقَالَ مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ فَقَالَ عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ فَقَالَ أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ فَانْطَلَقَ إِلَى نَجْلٍ قَرِيبٍ مِنْ

الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ يَا

مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ

وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ

أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيَّ وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى

فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ صَبَوْتَ قَالَ لَا

وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ


الشاهد(((وَلَا وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ

حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فبم يأمر بالمقاطعة ويلزم بها ويدعو إليها بل حتى لما رأى فرديا ذلك جعل الأمر منوطا بإذن ولي الأمر فله أن يقاطع فرديا إلا إذا نهاه ولي الأمر من باب السياسة الشرعية ودفع المفسدة الأعظم بالأقل0


ثم أن بيننا وبين الأمريكان ميثاق وإن حاربوا دولة أخرى فإن من نظر إلى فقه صلح الحديبية وحادثة أبي جندل وأبي بصير علم الحق في ذلك

[ ماهر بن ظافر القحطاني ]
المشرف العام على مجلة معرفة السنن والآثار
 

سؤال بخصوص فتـوى الشيخ عبد الله ابن جبرين بشأن المقاطعة للمنتجات الأمريكية والإسرائيلية
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ، والصلاة و السلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه .
وبعد: فقد ورد إلَيَّ سؤالٌ من إحدى مدارس البنات بِمحافظة صامطة تسأل كاتبته عن فتـوى الشيخ عبد الله ابن جبرين بشأن المقاطعة للمنتجات الأمريكية والإسرائيلية هذا نصها: "فضيلة الشيخ أحمد بن يحيى النَّجمي -يحفظه الله- سلام الله عليك ورحمته وبركاته؛ وبعد: نود من فضيلتكم النظر في هذه الفتوى -يعنِي فتوى الشيخ عبد الله بن جبرين في وجوب مقاطعة المنتجات الأمريكية- والَّتِي تعجبت من أمرها يا شيخنا الكريم فوالله أغلب الموجودات هي من منتجات أمريكا فكيف نعمل، ونحن يعلم الله ليس في نيتنا مساعدتُهم أو أن نكون عونًا على إخواننا المسلمين، فتطبيق هذه الفتوى أمرٌ صعب بالنسبة لنا؛ أليس إسلامنا يبيح لنا التعامل معهم فيما ينفعنا ونترك منهم ما يضرنا، ويكون محرمًا في كتابنا شيخنا فصِّل فِي أمر هذه الفتوى، فوالله لقد انتشرت انتشارًا عظيمًا بين الناس وكلهم يسأل نفس السؤال انتهى ؟


الإجابة : وأقول وبالله التوفيق: إنَّ الواجب على كل مسلمٍ أن يتَّبع ما جاء في الشريعة الإسلامية من تحليل وتحريم وأخذٍ ومنع؛ متجنبًا للانفعالات الهوجاء؛ الَّتِي تأتي على غير بصيرة ولقد صحَّ لنا عن نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم أنَّه مات، ودرعه مرهونةٌ عند يهودي في شعير أخذه نفقةً أو قال قوتًا لأهله، والحديث بذلك في الصحيحين .
وصحَّ عنه أنَّه صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر على شطر ما يخرج منها من زرعٍ وثمر وقد ورد أنَّ الصحابة -رضوان الله عليهم- أنَّهم كانوا يجاهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيغنمون الثياب وغيرها فيلبسونَها من غير غسلٍ، وآجر عليُّ بن أبي طالب نفسه من يهودي، فنَزع له خمس دلاءٍ أو ستًّا كلَّ دلوٍ بتمرةواستأجر النَّبِي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أريقط الدِّيلي دليلاً في الطريق؛ علمًا بأنَّه كان على شِرْكِه واتفق علي بن أبي طالب مع صائغٍ يهودي من بني قينقاع أن يأتي بإذخر يبيعه منه ليستعين به في وليمة فاطمة والحديث في صحيح البخاري .

وفي الصحيحين أيضًا كان يأتينا أنباطٌ من الشام فنسلفهم في البر والشعير، فقال النَّبِي صلى الله عليه وسلم : (( من أسلف فليسلف في كيلٍ معلوم أو وزنٍ معلوم إلى أجلٍ معلوم )) .

والمهم أولاً : أنَّ الأدلة على جواز معاملة الكفار كثيرة جدًّا ؛ سواءً كانوا يهودًا أو نصارى أو مشركين ، ولَم يأت دليلٌ واحد ينهى عن معاملتهم إلاَّ إذا كانوا محاربين .

ثانيًا : إنَّ المقاطعة وعدم المقاطعة حقٌّ من حقوق الدولة، ومسئولية من مسؤلياتِها لا يجوز أن يفتات به عليها أحد.

ثالثًا : من الواجب على الدولة إذا همَّت بِهذا الأمر أن تدرس ذلك دراسة وافية للنظر في المصالح والمفاسد المترتبة على المقاطعة وعدمها، وتعمل بما ترجح عندها أنَّ فيه المصلحة ؛ لتضمن بذلك مصلحة مواطنيها.

رابعًا : وقد أفتى بوجوب مقاطعة منتجات أمريكا عبد الله بن جبرين، وهذا افتياتٌ على الدولة وكان الواجب عليه ألاَّ يفعل .

خامسًا : إن قيل تجب مقاطعة منتجات اليهود -دولة إسرائيل- فهذا مقبول؛ لأنَّها هي الدولة المحاربة، وقد أعلنت الدولة السعودية، وسائر الدول العربية من زمن طويل فيما أعلم مقاطعتها لدولة إسرائيل، والظاهر أنَّهم ما زالوا على ذلك . والمهم أنَّ فتوى ابن جبرين خالفت الشرع الإسلامي من جهتين :

الجهة الأولى : أنَّها حرَّمت التعامل مع دولة كافرة غير محاربة، وهذا خروجٌ عن التعاليم الشرعية وتحريم لما أباحه الله لعباده، وفي ضمن ذلك تضييقٌ على المسلمين بتحريم ما أحلَّ الله .

الجهة الثانية : أنَّه افتياتٌ على الدولة، وابتزازٌ لحقها، وإنِّي لأعلن استنكاري لهذه الفتوى وأرى عدم الأخذ بِها . هذا وأسأل الله أن يهدي ضالنا، ويرشد زائغنا، ويعلم جاهلنا، ويهدينا سبل السلام، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه .


أملى هذه الفتوى
أحمد بن يحيى النَّجمي
19 / 10 / 1421 هـ


ملحوظة : هذه الفتوى قديمة ، والمناسبة الآن لنشرها أنًَّ بعض الناس أعلنوا مقاطعة منتجات دولة الدانمرك ، وذلك لأنَّه قد حصل من بعض أفراد هذه الدولة استهزاءٌ بالرسول صلى الله عليه وسلم ، ونحن نقول أنَّ الواجب أن يغضب المسلمون لهذا العمل وأمثاله ، ولكن المقاطعة حقٌّ للدولة ، وليس للأفراد ، والله تعالى يقول : (( ولاتسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدْواً بغير علم )) وبالله التوفيق .
كتبه
أحمد بن يحيى النَّجمي



25 / 12 / 1426 هـ

----------------------
المقاطعة التجارية ليست من الشرع ولا من العقل
الغلو في الدين: تجاوز لحدود الشريعة وتقرُّبٌ إلى الله بما لم يأذن به الله بحسن نيَّةٍ وقصدٍ في غالب الحال، وحسن النِّيَّة والقصد لا يغني عن حسن العمل بالاتباع لا بالابتداع، قال الله تعالى: {يَا أَهْلَ الكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الحَقَّ}[النساء:171]، والتقرب إلى الله بغير شرعه غلوٌّ في الدين، والدعوة إلى ذلك قول على الله بغير علمٍ، ومعظم الشرك فما دونه من البدع نتج عن حسن النية مع الجهل وسوء العمل، قال الله تعالى عن شرِّ خلقه: {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأعراف: 30]، وقال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ} [يونس: 18]، وفي الآية الأخرى: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى}[الزُّمر: 3].
وقد فرح أكثر المسلمين باتِّفاق كلمة أكثر المسلمين على مقاطعة البضائع الدنمركيَّة على اختلاف فِرَقهم وطوائفهم وجماعاتهم وأحزابهم وظنُّوا ذلك من علامات الهدى (وبعض الظنِّ إثم)، ورأى أكثرهم ـ ومن بينهم بعض طلاب العلم الشرعيِّ ـ وجوب المقاطعة إذا كانت مؤثرةً، كأنَّ النتائج تُحلُّ الحرام أو تحرم الحلال أو تسوغ الشرع بغير إذن الله.

واختلف رأيي عن رأي الأغلبيَّة فرددت الأمر إلى الله (كتابه) وإلى رسوله (سنته) فوجدت ما يلي:

1 – قال الله تعالى:
{وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [الأنعام: 116]، {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}[يوسف: 106]، وكثيرٌ من آيات الكتاب المحكمة تبيِّن أنَّ الصالحين: {وَقَلِيلٌ مَا هُمْ}[ص: 24]، وأنَّ: {أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}[الأعراف: 187].
2 – وبيَّن النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ أمَّته: «ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النَّار إلا واحدة»، و«لا تزال طائفةٌ منها على الحقِّ واحدة»، وكما أنَّ هذه الأمَّة (فقهاؤها في القرون المفضَّلة بخاصَّة) لا تجتمع على ضلالة، فهي كلُّها لا تجتمع على هدًى؛ بل إنَّ فرقةً وطائفةً واحدةً تكون: «على مثل ما عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه» لا يضرُّهم من خالفهم ولا من خذلهم من الأفراد والفرق والطوائف والأحزاب، بل إنَّ أكثر هؤلاء المخالفين لمنهاج النبوَّة والصحبة والاتِّباع: «سيتبعون سنن من كان قبلهم من اليهود والنصارى والمشركين شبرًا بشبرٍ وذرعًا بذراعٍ»؛ كما دلت الأحاديث المعتدُّ بها في (الصحيحين) وغيرهما.

3 – خير عصور المسلمين عصر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عصر خلفائه، ثم عصر الحسن ومعاوية رضي الله عنهم، ثم عصر التابعين حتى آخر الخلفاء الاثني عشر من قريشٍ رحمهم الله جميعاً.

ولم تخل ولاية من هذه الولايات من منافقٍ أو خائنٍ أو عاصٍ أو خارج على السنة أو الجماعة (بل عليهما معًا) أو جاهل، وإنما يُعتدُّ بأولي العلم أهل الحَلِّ والعقد، وأكثر النَّاس في كلِّ عصرٍ ليسوا من أولئك كما تقدَّم.

4 – النتائجُ لا تصلح دليلاً على الخير أو الشرِّ، فقد يؤيد الله الإسلامَ بالرجل الفاجر، ويأتي الرسول من أولي العزم من الرسل يوم القيامة وليس معه إلا قليل من المؤمنين بعد الدعوة الصالحة إلى الله تعالى مئات السنين، ويأتي النبيُّ وليس معه أحدٌ، كما دلَّت الآيةُ والحديثُ.

5 – لا أعلمُ سلفًا للمقاطعين إلا مشركي قريش حين حُصِرَ النبي صلى الله عليه وسلم ومن شايعه من المؤمنين والكافرين في الشِّعب بمكة المباركة قبل الهجرة، ومقاطعة الهند (بقيادة غاندي الهندوسي) بضائع وخدمات إنكلترا، ومقاطعة الأمم المتحدة دولة جنوب أفريقيا العنصرية، ومقاطعة أمريكا ليبيا والعراق ونحوها، ولا أعلم بينها من حقَّق غايته غير أتباع غاندي من الهندوس لما تميَّزت به الصوفيَّة الوثنيَّة في الهند من صبرٍ على شظف العيش واعتياد على قلة الأثاث والمتاع:
{كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ}[الإسراء: 20].
6 – قد يتشبَّثُ المقاطعون برواية من روايات السِّير والتواريخ عن قصَّة ثمامة بن أثال، كعادتهم: العمل على غير هدى من الله ثم البحث عن دليل ولو كالقشَّة لمحاولة النَّجاة من الغرق وستر عورة الجهل.

ولو ثبت مقاطعة ثمامة رضي الله عنه مشركي قريش بمنعه قومه من بيعهم الحنطة فإنَّما هي مثل مقاطعة المملكة المباركة في عهد الملك سعود رحمه الله عليه أوروبا عام: 1376هـ إعانةً للعرب في مصر، ثم في عهد الملك فيصل مقاطعة أمريكا عام 1393هـ إعانةً للعرب في مصر وفلسطين؛ فإن ثمامة سيِّد قومه لا فرداً من الغوغاء.

ولم ترتبط قضية ثمامة رضي الله عنه بأمر ولا فعل ولا تقرير من النبي صلى الله عليه وسلم ـ فيما علمتُ ـ إلا بالشفاعة لقريش لإنهاء مقاطعتهم إذا صحَّ هذا الجزءُ من الرواية.

7 – ولو كان للنتيجة أو التأثير علاقةٌ بحكم المقاطعة الدّنمركية شرعًا (وقطعًا لا علاقة) فإنَّ النتيجة كانت شرًّا على الإسلام والمسلمين:

* الرسوم الكارِكَتيرية التي اقترفها صحفيٌّ علمانيٌّ في جريدة دنمركية لا يقرؤها إلا قليل من الناس في منطقة واحدة من العالم تتكلم لُغَةً لا يعرفها إلا أهلها (أربعة ملايين)، وبَقِيَتْ قريبًا من أربعة أشهر لا يُعرف عنها شيءٌ خارج أرضها؛ حرَّك الهوى والشيطان عربيًّا هاجر من أرض البركة والقداسة إلى أرض العلمانية والنصرانية من أجل المال ـ كما يقول هو عن نفسه ـ، وعرفتُ عنه من بعضِ دعاة السُّنة الصَّحيحة أنَّه من أكثر أقرانه حِقْدًا على علماء ودعاة السنة، فأخذ هذه الرسومَ وأضاف إليها رسوماً لم تنشرها الجريدة وإنما ادَّعى أنَّها أُرْسلت إليه بالبريد، ونشرها في كلِّ بقعة في العالم، فهو ـ حقيقةً ـ تولَّى كِبْرَ نشرها أكثر من الصَّحفيِّ العلماني فكان كمن يُحبّ أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا (بل والذين كفروا)، وما دفاعه ونصرته وذبُّه المزعوم عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا كمثل ما تقول الأسطورة عن الدبِّ الأحمق الذي رضخ رأس المحسن إليه بدعوى حمايته من ذبابة وقعتْ عليه، بل يَضْرب أهلُ مهجره بمِثْل حماقته مَثَلَ السَّوء فيقولون: (بمثل هذا الصديق لا تحتاج إلى عدوٍّ)؛ لأنه صديقٌ بقوله، عدوٌّ بفعله وقوله وفكره، هدانا الله وإياهم جميعًا وتجاوز عنَّا وعنهم، وعاملهم بنيَّاتهم فهي خيرٌ من عملهم.

* تسبَّبت المقاطعة التجارية وسحب السفراء (وأسوأ منهما تحريق الأعلام والسفارات وقتل الأبرياء) بإثارة الحقد على الإسلام والمسلمين ونقل الاستهزاء بالرسول صلى الله عليه وسلم أو اتِّهامه بالإرهاب من جريدة مغمورة في منطقة نائية ولُغةٍ مجهولة إلى جميع الجرائد والفضائيات ومراكز التهريج والمهرِّجين في كل بقعة في العالم وبكل لُغَة إلا ما شاء الله، وتسابق أتباع كلِّ ناعقٍ (من الأصدقاء الأعداء المنتمين للإسلام والمدعين نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم ومحبته المخالفين لمنهاجه) على نشرها في الجوَّالات والمساجد والمراكز الإسلامية تقرّباً إلى الله بالمعصية.

* وأَضرَّت المقاطعة بتجارة المسلمين قبل غيرهم فامتنع أكثر الجهلة عن شراء بضاعة المسلم التي استوردها من الدَّنمرك قبل أن ينفخ شيطان الهوى والجهل في نار الفتنة، رغم كثرة الأحاديث الصحيحة عن شراء واستعارة واستدانة النبيِّ صلى الله عليه وسلم بضاعة المشرك واليهودي والنصراني وقبوله الهدية إذا جاءته من أحدهم فضلاً عن مطلق التعاون معهم جميعًا على البرِّ والعدل والإحسان؛ كما سبق في مقال (المحبة والنصرة) في هذا المجموع.

* وأَضرَّت المقاطعةُ بفَهم المسلم للإسلام (الولاء والبراء والمحبة والنُّصرة والتَّضحية) فخالف الحركيُّون سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم في معاملة غير المسلمين وفي توجيه المسلم إلى الدَّفع بالتي هي أحسن، بل خالفوا كتاب الله في ذلك كلِّه ودعوا النَّاس إلى التي هي أسوأ.

وخير ما رأيت من هذه الزوبعة ما نُقل عن أحد التُّجار استعداده لتمويل مقاضاة المجرم الدَّنمركيِّ؛ إن جاز اللجوء إلى محكمة الطَّاغوت.

وأعجبني خطيبُ جُمُعةٍ أخطأ بإثارته القضيَّة الظنيَّة في خطبة الجمعة وهي العبادة التي لا يصلح لها إلا اليقين، ولكنَّه أصاب جزاه الله خيرًا بتحذيره من نشر الصور المحرَّمة في الجوالات والمساجد والأماكن العامة، وتحذيره من اتِّهام من لا يرى المقاطعة أو لا يأخذ بها بعدم محبة الرسول ونصرته.

* وأذكر ـ قبل بضع عشرة سنة ـ أن دولة مسلمة سحبت سفيرها لتمنع الدولةُ الأخرى محطةً تلفزيونية من نشر فِلْم سينمائيٍّ ساقط من الدرجة السفلى فكانت النتيجة: رفْعه للدرجة الأولى، وجذب من لم يكن ليشاهده إلى مشاهدته، ونشره في حينه لأن دول الديمقراطية لا تملك منع وسائل الإعلام الخاصة (وكلها إلا النَّادر خاصَّة) من نشر ما ترغبه وبخاصة إذا وُجِد التَّحدي وهُدِّدت حرَّية التعبير المشؤومة التي تفتح أفواه الإعلاميِّين وتُكسِبُهم قُوْتَهُم، والله الهادي إلى سواء السبيل. (1429هـ).


للشيخ سعد الحصيّن


-------------------

هل يلزم إذن الإمام لمقاطعة منتجات الكفار؟!!

يجيبك فضيلة الشيخ هشام البيلي -ثبته الله على الحق-

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن اتبع هداه... وبعدُ:

السؤال:

هل إذنُ الإمام في المقاطعة ضابطٌ دائم أم قد ينفك في بعض المسائل؟

الجوابُ:

المقاطعة للمنتجات -منتجات غير المسلمين- هذه يُرجَع فيها للإمام؛ لأنّ الإمامَ هو الذي يرى المصلحة ويحققها، وبعض الأشياء إذا متنعتَ أنتَ عنها أو كذا قد تضر بالمسلمين!!؛ لأنّ المسلمين حازوها وصارت في حوزتهم فمَن الذي يُتاجِر في هذه الأشياء الآن؟!! المسلمون!! والتاجر عليه آلاف مؤلفة وغير ذلك، فإنْ قلتَ: نُقاطِع، حصلَ الضررُ لمَن؟! حصلَ الضررُ للمسلمين!!

وأيضًا قد يكون في المسلمين حاجة إلى هذه السلع، ما يستغنون عنها، لأنك لا تجعل المقاطعة في الـ (شبسي) والـ (بيبسي) ولا تجعلها في السيارات والطائرات وغير ذلك.. نأتي نستورد في أدوات الميكنة الزراعية، في أدوات المستشفى، في السيارات، في الطائرات، في الدبابات، في كل شيء، ونقول: هذا لا يتناوله المقاطعة، ثم نأتي بكيسين!! (شبسي) أو علبة (بيبسي) ونقول: نُقاطِع!!، انته حر عايز تاكل.. لا ماتاكلشي (=لا تأكل)، انته حر.

فلهذا المقاطعة بهذا العموم يُرجَع فيها للسلطان، لكن المسلك الشخصي؛ أنا لن أشتري هذا الشيء، انته حر، انته حر، لكن لا تجعل هذا وتُوجِب ذلك على الأمّة.

وليس كلُّ مَن عاداكَ يُمنع التعامُل معه؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- تعاملَ مع اليهود، تعامل مع هؤلاء وأخذ منهم وأعطاهم بل ودرعه مرهونة عند يهودي في شعير أخذه -صلى الله عليه وسلم-.

الأمورُ هذه تُقدَّر فيها المصالح والمفاسد، ومرجع ذلك إلى ولي الأمر، نعم.

أما الأمور الخاصة: إن يكون لك مسلك خاص؛ مثلاً أنا مش هشتري هذا لكونه كذا، فلا يلزم في ذلك ولي أمر طالما مسلك خاص، طالما إنه مسلك خاص لك، نعم.


اضغط هنا لتحميل المقطع الصوتي


أو

يمكنك التحميل من الموقع الرسمي للشيخ

بالضغط هنــــا



----------------------

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد


فإن هناك فريق من أشباه الخوارج سفهاء أحلام حدثاء أسنان يقولون من قول خير البرية لاهم لهم إلا الطعن على الأمراء الذي لم يظهر عندهم كفرا بواحا عندهم من الله فيه برهان بل والطعن في من يخالفهم من العلماء وتأيل النصوص على غير وجهها الموروث عن السلف لإعراضهم عن القراءة في كتبهم والإستفادة من منهجهم بل بالكتب الفكرية ككتب القطبين الحركيين سيد ومحمد وسرور وغيرهم حتى تولد جيل مفكر جاهل بالدين عالم بالمجادلة بالراي يتعذر إقامة الحجة عليه بالأدلة الشرعية فأثاروا قضية الدمج ثم مناصرة الكفار وأنها كفر وجواز العمليات الإنتحارية ووجوب مقاطعة الكفار بلا أذن الإمام وبلا تفصيل مرجعه الحديث حتى قال لي قائلهم مقاطعة الكفار أوجب من الصلاة وكان أحسنهم من يستدل بما رواه البخاري في صحيحه قال:



حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ فَقَالَ عِنْدِي خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ فَتُرِكَ حَتَّى كَانَ الْغَدُ ثُمَّ قَالَ لَهُ مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ قَالَ مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ فَتَرَكَهُ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ فَقَالَ مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ فَقَالَ عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ فَقَالَ أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ فَانْطَلَقَ إِلَى نَجْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيَّ وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ صَبَوْتَ قَالَ لَا وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ


قلت:

وليس في قصة ثمامة مايدل على جواز المقاطعة للكفار مطلقا بل على التفصيل :

أولا- لم يكن بين كفار قريش والرسول صلى الله عليه وسلم عهد بل كانت بينهم حرب فقاطعهم ثمامة أثناء فترة الحروب وهؤلاء يدعوننا للمقاطعة وبيننا وبينهم مواثيق ولم تقم الحرب بعد 0


ثانيا – قيامها بينهم وبين الأفغان لايعني أنها تكون بيننا وبينهم فبيننا وبينهم مواثيق فلكل دولته وأمرته كما قرر الشوكاني في السيل الجرار0


ثالثا- أرجع ثمامة الأمر في المقاطعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدل أنها لاتكون إلا بأذن الإمام كما قرر العلامة صالح الفوزان0


رابعا- المقاطعة عبادة ومخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم بإحداثها بدون الضوابط المذكورة في الحديثمخالفة ويخشى أن تكون بدعة 0


خامسا- لم أرى علمائنا الموثوقون إلا ساكتون عند مقاطعة الملك فيصل لأمريكا ولو بغير حرب للأنه ولي أمر رأى المصلحة في ذلك وهو كذلك فرحمهم الله تعالى

للشيخ ماهر بن ظافر القحطاني
منقول من 
http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=32966


----------------
المحبة والنصرة بين الشرع والعاطفة
بدعة المقاطعة التجارية

ادَّكَرَ الحركيُّون (الموصوفون بالإسلاميِّين) بعد أمَّةٍ أنَّ من الاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم وإهانته رسمُ صورة كاركاتيرية ترمز له وعليه عمامة سوداء تنتهي بفتيل قنبلة.
وتفجَّر الغضب في بلاد المسلمين، واستدعت بعض دول المسلمين سفراءها في الدانمرك بلد الجريدة المجرمة، فأعلن رئيس وزراء الدانمرك مخالفته للجريمة.


وهبَّ المنتمون للإسلام انتقامًا من الجريدة بمقاطعة منتجات بلادها وتحريق رايتها وسفارتها، وكانت النتيجةُ الحقيقية نشر هذه الجريمة في كل وسائل الإعلام العالميَّة!


وكعادتي ـ بفضل الله ومنَّته عليَّ ـ عرضتُ الأمر على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قبل أن أطلق العنان لعاطفتي الدينيَّة استجابةً لأمر الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: 59]،


وقال تعالى تحذيرًا من تحكيم الظنِّ والعاطفة في الدين وحَصْرًا للحكم في الدين على وحيه: {إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم: 23]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لله وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَالله أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} [النساء: 135]، والعاطفة مبنيَّة على ما تظنُّه الأنفسُ وما تهواه بعيدًا عن شرع الله.


وظهر لي ما يلي:


1) ليس من شرع الله أخذ البلاد والدولة والنَّاس أجمعين بجريمة واحدٍ منهم، فقد قال الله تعالى في محكم كتابه: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]، {وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15].


2) أُهين رسول الله صلى الله عليه وسلم واستهزئ به وتَمنَّى له زُوَّاره من يهود الموتَ (وهو وليُّ الأمر في المدينة) إذ قالوا: السَّام عليكم. فما زاد على أن قال: "وعليكم"، ولما قالت عائشة رضي الله عنها: "وعليكم السام واللعنة!" انتقامًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم (وهي الصديقة بنت الصديق) قال: "مهلاً يا عائشة! فإن الله يحبُّ الرِّفقَ في الأمر كلِّه" رواه البخاري. وفي رواية: "عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش". لأن الله قال له: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199].


3) وحارب يهودُ المدينة رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ونقضوا عهودهم، وحاربهم ومع ذلك لم يقاطع بضائعهم، فاشتهر أنَّه مات ودِرعُه مرهونةٌ عند يهوديٍّ في ثلاثين صاعًا من الشعير، وفي آخِرِ حربٍ دارت بينهم زارَعَهم في خيبرَ بنصف ما يخرُجُ منها فيما رواه البخاريُّ ومسلم.

ومع أني أقاطع كثيرًا من المنتجات (بصرف النَّظر عن دين مُنتِجها) لأني لا أحتاج إليها، ومنها الجرائد والمجلات، ووسائل الاتصال، ومنها: الجوال والبيجر قبله، والكمبيوتر والسيارات الجديدة؛ فإني أعي الفرق بين الولاء والبراء، وبين المعاملة والتعاون على خيرٍ، وأعي الفرق بين الحلال والحرام وبين المباح، ولا أتقرب إلى الله إلا بما شرعه ما وسعني ذلك لا بما تُمليه العاطفة.


4) ومن القيام بالقِسْطِ والشهادة على النفس أن أَعترف بأنَّ سوءَ فَهْم رسَّام الكاريكاتير المجرم للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ووظيفته ودينه وبالتالي وَصْفُه بالتفجير والإرهاب العدوانيِّ؛ كان نتيجةً لسوء فهم بعض المنتمين للإسلام دينَهم، وسوء عَرْضه للأمم تفجيرًا وعدوانًا وخيانةً وغدرًا اتِّباعًا للعاطفة الضَّالة عن سبيل الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو مخالفة لنصِّ الآية المحكمة: {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ الله فَيَسُبُّواْ الله عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108]،

فقد ردَّ بعض المؤيدين لحريَّة الرسَّام في التعبير على منكري التعرُّض للمقدَّسات من المسلمين وغيرهم بأنَّ جريدةً سوريَّة سبقت إلى ذلك؛ فلم يظهر إنكار من المسلمين ولا من غيرهم.


5) وجهلُ أكثر المسلمين بعِلْم الإسلام وخُلُقِه جرَّ على الإسلام وعلى المسلمين في هذا العصر (بل منذ الفاطميِّين) كثيرًا من الفتن والمصائب في الدِّين عندما تولَّى العلم والدعوة المفكِّرون مثل: الحلاج، والبسطامي، وابن عربي؛ بفكر اليونانيين ومن ورائهم فكر الهندوس، ثم بالفكر الحديث الذي روَّج له مثل: الأفغاني، ومحمد عبده تجاوز الله عنهما.


ولم يَسلَم كتاب الله من تأويل المتكلفين وبخاصة: بدعة (الإعجاز العلمي) ورائدها في العصر: طنطاوي جوهري تجاوز الله عنه وعمَّن تبعه مثل: مصطفى محمود وعبد المجيد الزَّنداني وزغلول النجَّار، وهم وأمثالهم لا يملكون بسطة في العلم الشرعي ولا النظريات الكونيَّة تؤهلهم للقول على الله.

وتخصَّص سيد قطب رحمه الله في بدعة (التصوير الفني في القرآن) ليجتال الشيطانُ بالفكر أمةَ محمد صلى الله عليه وسلم عن بيانه ما أنزله الله عليهم: {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً}.


6) من متابعتي نشاط الدعوة والدعاة في الثلاثة عقود الماضية لم أرَ من الحركيين والحزبيين الموصوفين بالإسلاميين غضبًا لله ولرسوله ولدينه بسبب لعن الربِّ والدِّين بين من ينتمون للإسلام في بلاد الشام، وبخاصة الأرض المقدسة التي بارك الله حولها، وفي العراق وفي المغرب العربي، ولم أرَ منهم ـ بكلِّ توكيد ـ غضبًا لله ولرسوله ولدينه بسبب تقرُّب أكثر المنتمين للإسلام إلى الله بالشرك الأكبر عند المقامات والمشاهد والمزارات والأضرحة (أوثان الجاهلية الأولى والأخيرة) والبدع الأخرى.


7) كانت آخر وأهمُّ وصايا النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأمَّته: "لعنةُ الله على اليهود والنصارى اتَّخذوا قبورَ أنبيائهم مساجد"، قالت عائشة رضي الله عنها: "يُحذِّر مثل الذي صنعوا" متفق عليه.


ولا يكاد بلدٌ مسلمٌ (خارج المملكة المباركة في جزيرة العرب) يخلو من هذه الأوثان، ولم تقم جماعة ولا حزب (مما يوصف بالإسلامي والإسلامية) لمحاربتها منذ ابتدعها الفاطميُّون وحماها العثمانيُّون ومَنْ بينهم غير دعوة ودولة تجديد الدين في جزيرة العرب في القرون الثلاثة الأخيرة، مع أنَّ حسن البنا وسيد قطب قائدي جماعة الإخوان المسلمين، ومحمد إلياس مؤسس جماعة التبليغ، وتقي الدين النبهاني مؤسس حزب التحرير ـ تجاوز الله عنهم ـ وُلِدوا وماتوا بين هذه الأوثان وبين زوايا التصوف والموالد والاحتفالات والأعياد والمدائح الدينية وغير ذلك من البدع التي أشغل بها الشيطانُ وأعوانُه الناسَ عن معرفة السنن والعمل بها.


8) وجاء (رشاد خليفة) ليؤيِّد دينه بدعوى أن جميع سور القرآن ينقسم عدد حروفها على رقم (19) أو مضاعفاته، مستدلاً على بدعته بقول الله تعالى عن النَّار: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر: 30]، وطار أكثرُ المنتمين للإسلام فرحًا بما جاء به، ولم أرَ من توقَّف عن قبولها غير هيئة كبار العلماء في دولة التوحيد والسنة، ثم تبيَّن للمسلمين أن رقم (19) هو الرقم المقدَّس عند فرقة خارجة عن السنة، وانتهى الأمر بقتله.


9) وجاء (دِيدات) ليؤيِّد دينه بسبِّ الإنجيل وتحقيره ووصفه بالركاكة والتناقض، ودعوى أنَّه يستطيع الإتيان بمثله، فردَّ عليه بعض مناظريه (وبخاصة من لهم أصل عربيٌّ) بأن قالوا عن القرآن مثل ذلك، وهذه هي النتيجة التي حذَّر الله من وقوعها بسبب الدعوة بالجهل والسبِّ {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ الله عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108].


10) وقد ظنَّ كثيرٌ من المنتمين للإسلام والتصوف أنَّ محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم تُبيح لهم إظهارها بما تشتهيه نفوسهم دون رجوعٍ إلى الوحي وفقه الأئمة الأُوَل في نصوصه، فعبَّر عنها بعضهم بالعشق، ومدحوه تبعًا لذلك بأنَّ (خدَّه أحمر مورِّد، ريقه سكَّر مكرَّر، بطنه طيُّ الحرير حين يشتدُّ الزفير، خدُّه التفاح الشاميُّ) وأصاب العدوى بعض المنتمين إلى السلفية فوصفوه في خطب الجمعة والقنوت (بالوجه الأنور والجبين الأزهر)، ذهولاً منهم عن الرجوع إلى النصِّ والفقه فيه.


بل وضع له المبتدعة تسعةً وتسعينَ اسمًا، وزعموا أنه خُلِق من نور الله، وأن من نعمته على الخلق: الدنيا والآخرة، وأن من علومه علم اللوح والقلم، وأن عمامته عَلَتْ على عرش الرحمن، وأنه الأول والآخر والظاهر والباطن، وأن له كل أسماء الله تعالى، وأنه أوتي علم الخَمْس [مفاتح الغيب]، تجد هذا التحريف في شعر البوصيري (البُردة)، والروَّاس الحموي (بوارق الحقائق)، وكتب محمد بن علوي المالكي (الذخائر المحمدية) (شفاء الفؤاد) بخاصة. وهي غيض من فيوض الصوفيَّة الضالة.


11) ونتيجة هذه القضايا الخاسرة (شرعًا وعقلاً وواقعًا) مخالفة شرع الله تعالى وسنة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والتقرُّب بذلك إلى الله، والانشغال به عن معرفة الدين الحق والرجوع إليه والعمل به والدعوة إليه، وإساءة سمعة الإسلام والمسلمين؛ مع أنهم ـ غالبًا ـ هم الملومون أولاً في مقدمة أكثر القضايا: هم الذين هجروا المسجد البابري خمس عشرة سنة انتهت بسلبه، وهم الذين أرسلوا بناتهم إلى المدارس العلمانية في فرنسا ثم غضبوا لمنع تغطية الرأس، وهم الذين اعتدوا على أمريكا في آسيا وأفريقيا ثم في أمريكا فجلبوا بذلك الدمار لأفغانستان ثم العراق، هدانا الله وإياهم جميعًا لأقرب من هذا رشدًا.


12) لا بدَّ من محبة الله ورسوله ودينه فوق كلِّ محبة، والانتصار لله ولرسوله ولدينه وَفق شرع الله تعالى وسنة نبيِّه صلى الله عليه وسلم نيَّةً وقولاً وعملاً، لا للهوى والقوميَّة. والله وليُّ التوفيق.



هذا المقال من إحدى

مقالات الشيخ سعد الحصين حفظه الله.


-----------------
خطبة الشيخ عبيد الجابري - حفظه الله -

نشرت في حادثة الدنمارك الأولى حول قضية سب الرسول - عليه الصلاة و السلام -

و فيها تأصيلات علمية سلفية حول القضية و الواجب على المسلم ...

http://www.salafi.ws/faris/obaid-danemrk-mp3.mp3


-------------------
مقاطعة بين أدلة الشريعة وانفعالات أهلها

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العظيم الحليم، الحمد لله الحكيم العليم والصلاة والسلام على إمام المرسلين وسيد العالمين الذي أقسم الله على أنه على خلق عظيم.
حدث خلال هذه السنة أمر عظيم جلل، أقضَّ مضاجع المؤمنين وأغم صدور المسلمين، ألا وهو سبّ الرسول صلى الله عليه وسلم في دولة غربية على ملأ من قومهم ومن المسلمين.
فتفاقم الأمر وعظمت تداعياته وسلك المسلمون مسلكاً اختاروه طريقًا لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان على أرض الواقع ما ليس بخاف على أحد. وبعد أن هدأ الأمر وكاد أن يكون استقر، رأيت لزامًا عليّ أن أقف وقفات مهمات متدبرًا ما حدث.
وتساءلت هل ما قامت به جماهير المسلمين عملٌ مشروعٌ يثابون عليه أم لا؟
ولكي لا يتشعب الموضوع كثيرًا؛ فإني سأجعل كلامي في وقفات محددة؛ لعل الأمر بعدها يكون أقرب للإدراك والفهم والتصور.

الوقفة الأولى
من سنن الله الكونية والشرعية أن يبتلى الخير بالشر، والشر بالخير لحكمة يريدها سبحانه، فالواجب على المسلم استشعار هذه السنة الإلهية، وألا ينفك عنها في أي زمان وفي أي مكان.
ومن سننه أيضًا أنه جعل للخير رموزًا وأعلامًا، وللشر رموزًا وأعلامًا يقع بينهم من العداوة والصراع ما يقع، والأتباع في ذلك تبع.
ومن أعظم حكم هذا الامتحان بين الخير والشر أن الحق يزداد قوة وظهورًا، وأن الباطل يزداد ضعفًا وهوانًا.
ولما كان الله هو الحق، وهو اسم من أسمائه، فقد وعد - ووعده الحق - بنصرة الحق وإعزازه، وإذلال الباطل ودفعه.
ومن ملامح هذا العداء والصراع ما جاء في قوله تعالى: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون) [الأنعام/ 112]. وقوله تعالى: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًا من المجرمين وكفى بربك هاديًا ونصيرًا) [الفرقان/31].
وهذه عداوة كونية أرادها سبحانه تمحيصًا للحق، ويقابلها عداوة شرعية كما في قوله تعالى: (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوًا وحزنًا) [القصص/ 8]، وقد ارتضاها سبحانه وتعالى لنفسه فقال: (فإن الله عدو للكافرين) [البقرة/ 98].
وقد بيّن لنا سبحانه وتعالى في كتابه صور تلك العداوة للأنبياء الذين يمثلون الحق وأهله.
فمن صور تلك العداوة التكذيب، قال تعالى: (كلما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضًا) [المؤمنون/ 44]، وقوله: (وإن يكذبوك فقد كذب رسل من قبلك) [فاطر/ 4].
ومن صوره الاستهزاء قال تعالى: (يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون) [يس/ 30]، وقوله: (وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوًا) [الفرقان/ 41].
ومن الصور الإيذاء، قال تعالى: (ولا تكونوا كالذين آذوا موسى) [الأحزاب/ 69].
ومن الصور القتل، قال تعالى: (ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق) [آل عمران/ 112]، وقوله تعالى: (كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقًا كذبوا وفريقًا يقتلون) [المائدة/ 70].
والغريب العجيب أن المسلمين كأنهم لم يسمعوا بتلك الآيات التي تثبت حقائق لا شك فيها، فاستغربوا ما حدث أيما استغراب! ودهشوا منه أيما دهشة! وكأنهم لم يقرأوا في القرآن ما هو أعظم مما حدث.
وهذا الاستغراب يدل على بعد الأمة عن القرآن وعدم تدبره أثناء قراءته.
بل أخبر الله عما هو أعظم من ذلك، وهو سب الله وتنقصه، قال تعالى: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوًا بغير علم) [الأنعام/ 108]، وقال تعالى: (وقالت اليهود يد الله مغلولة) [المائدة/ 64]، وقال تعالى: (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق) [آل عمران/ 181].
ونختم هذه الوقفة بأن لا محل للغرابة والتعجب مما حدث؛ بل يجب أن يكون المسلم قد وطأ نفسه ووطنه على مثل ذلك، ونحن لم نذكر شيئًا من السنة وإلا فيها الكثير مما يستشهد به.

الوقفة الثانية
قال جماهير العلماء من الأصوليين وغيرهم: إن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، وقد ثبت في الوقفة الأولى أن اليهود سبّوا الله وتنقصوه، ولم يعقب الله على ما قالوا بالأمر بالمقاطعة؛ بل الصحيح أن الإشراك بالله هو تنقص وسب له واستهزاء عن طريق اللزوم، ومع ذلك لم يأمر الله بالمقاطعة التجارية للمشركين أو غيرهم.
وقد ثبت أن اليهود قتلوا أنبياءهم كما أخبر سبحانه، ولم يأمر الله من آمن منهم بمقاطعة من فعلوا ذلك.
ولم يفعل ذلك موسى عليه السلام حين سبوه وآذوه، ولم يأمر أتباعه بذلك، لا انتصارًا لنفسه ولا انتصارًا لمن قتلوا من الأنبياء قبله.
ولم يقاطع موسى عليه السلام فرعون مع أنه ادعى الألوهية وطلب موسى ليقتله، والأعجب أن موسى عليه الصلاة والسلام تربى في بيت فرعون يأكل من طعامه، ويلبس من كسائه، وهو على تلك الحال من الكفر والضلال.
ومع أن إخوة يوسف عليه السلام فعلوا به ما فعلوا مما قصّ الله علينا؛ إلا أنه لم يقاطعهم تجاريًا؛ بل لما حضروا باع لهم واشترى منهم، ولم يأمره سبحانه وتعالى بمنع أرزاق مصر عنهم حتى يعتذروا.
وبالجملة فإنه مع ثبوت الإيذاء والقتل والقتال والمعاداة من غير الأنبياء لهم إلا أنه لم يأمر أحدًا منهم بمقاطعة من عاداه تجاريًا.

الوقفة الثالثة
لن نتكلم عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في مكة في صدر الإسلام، ولكن سنتكلم عن المرحلة المدنية، حيث قدم المدينة، وحالف من كان فيها من اليهود، ووفى بما عاهدهم عليه، لكن اليهود نقضوا عهدهم مرارًا وتكرارًا وصبر عليهم عليه الصلاة والسلام، وكان نقضهم للعهد في صور كثيرة، منها التعدي على أموال المسلمين وأعراضهم، ومنها عدم معونته ونصرته، ومنها ممالأة أعدائه، ومنها سبه وشتمه وتنقصه والسخرية من دينه.
فلما أعذر إليهم بصبره نبذ إليهم؛ فأجلى بعضهم، وقتل بعضهم، وأبقى آخرين.
ومن أعظم ما فعلوه به خاصة أنهم خططوا لقتله بالرحا، فأخبره جبريل بذلك. ومن ذلك أنهم سحروه، ومن ذلك أنهم سمّوه صلى الله عليه وسلم.
وفي كل هذه الأحوال لم يأمره الله سبحانه وتعالى بمقاطعتهم تجاريًا، ولم يأمر هو أمته بذلك؛ بل كان اليهود هم تجار المدينة وأهل الصناعة والزراعة فيها.
فكان المسلمون يزارعونهم ويساقونهم، ويشترون من زراعتهم، ويلبسون مما تصوغه أيديهم، ويشترون ما يصنعونه من سلاح، ولم ينكر عليهم صلى الله عليه وسلم، وربما استخدموا غلمانهم في بيوتهم.
بل حتى الذين أجلى منهم لخيبر بسبب سبه وشتمه لم يأمر أحدًا من المسلمين بمقاطعتهم، بل أجاز المزارعة والمساقاة بينهم وبين المسلمين.
وكذلك فإنه مع علمه صلى الله عليه وسلم بما فعله اليهود مع الله وأنبيائه لم يقاطعهم، فثبت أنه بايعهم وشاراهم واقترض منهم إلى غير ذلك من مصالح الدنيا.

الوقفة الرابعة
ثبت في الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "من لكعب بن الأشرف فإنه آذى الله ورسوله"، ثم أذن لمحمد بن مسلمة في قتله، فقتله.
وكذلك ثبت في الصحيح أنه قال مثل ذلك في أبي رافع اليهودي، ثم أذن لعبدالله بن عتيك في قتله فقتله، وكان أبو رافع يسمى تاجر الحجاز.
ومع أن أمْرَ مسبة هؤلاء للنبي صلى الله عليه وسلم ظاهر يعرفه الجميع، إلا أنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر أحدًا من المسلمين بمقاطعتهم، فلم يقاطع أحد من المسلمين أبا رافع مع أنه تاجر الحجاز وهو يهودي يحب المال ومقاطعته تؤثر عليه؛ بل إنه صلى الله عليه وسلم سكت على مبايعة محمد بن مسلمة له قبل قتله بقليل ولم يقيدها صلى الله عليه وسلم بالخدعة.

الوقفة الخامسة
قال ابن القيم: "وفيها تعيين قتل الساب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن قتله حد لا بد من استيفائه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤمن مقيس بن صبابة، وابن خطل والجاريتين اللتين كانتا تغنيان بهجائه، مع أن نساء أهل الحرب لا يقتلن كما تقتل الذرية، وقد أمر بقتل هاتين الجاريتين، وأهدر دم أم ولد الأعمى لما قتلها سيدها لأجل سبها النبي صلى الله عليه وسلم.
وقتل كعب بن الأشرف اليهودي وقال: "من لكعب فإنه آذى الله ورسوله"، وكان يسبه، وهذا إجماع من الخلفاء الراشدين ولا يعلم لهم في الصحابة مخالفة.
... ثم قال: ومرّ عمر رضي الله عنه براهب فقيل له: هذا يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لو سمعته لقتلته، إنا لم نعطهم الذمة على أن يسبوا نبينا صلى الله عليه وسلم.
... وقال: ولا ريب أن المحاربة بسب نبينا أعظم أذية ونكاية لنا من المحاربة باليد ومنع دينار جزية في السنة، فكيف ينقض عهده ويقتل بذلك دون السب ... إلى أن قال: فأولى ما انتقض به عهده وأمانه سب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل عبدالله بن أبي وذا الخويصرة ومن قال له: إنك تنهى عن الغي وتستخلي به، ومن قال: إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، ومن صدر منهم نحو هذا.
لأن الحق له وله أن يستوفيه أو يسقطه، وذكر أن في ترك قتلهم مصلحة عظيمة في حياته زالت بعد موته من تأليف الناس وعدم تنفيرهم عنه.
وختم قائلاً: "ولا ريب أن مصلحة هذا التأليف وجمع القلوب عليه كانت أعظم عنده وأحب إليه من المصلحة الحاصلة بقتل من سبه وآذاه؛ ولهذا لما ظهرت مصلحة القتل، وترجح جدًا قتل السابِّ، كما فعل بكعب بن الأشرف فإنه جاهر بالعداوة والسب فكان قتله أرجح من إبقائه، وكذلك قتل ابن خطل ومقيس والجاريتين وأم ولد الأعمى، فقتل للمصلحة الراجحة وكف للمصلحة الراجحة، فإذا صار الأمر إلى نوابه وخلفائه لم يكن لهم أن يسقطوا حقه"، ولم يذكر رحمه الله أن هؤلاء منافقين وأحكامهم تختلف وهو الحق.
والسؤال: هل يجوز قتل من سب الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في الدنمرك؟
والظاهر أن لا، لأن ما ذكره ابن القيم من إجماع إنما هو في حق أهل الذمة، وهذا السابُّ ليس من أهل الذمة. الثاني أنه ليس هناك عهد خاص بيننا وبين تلك الدول قد نص فيه على عدم سب نبينا صلى الله عليه وسلم أو أمرًا يقاس عليه. الثالث: أنه إذا كان ترك النبي صلى الله عليه وسلم بعض من سبه للمصلحة الراجحة فكذلك هنا فإن المصلحة ظاهرة وراجحة. وكان الأمر زمن النبي صلى الله عليه وسلم يعيق عن الإسلام، أما اليوم فقد ظهر وانتشر، وأيضًا فإن المسلمين اليوم في ضعف بيِّن.
الرابع: أنه لم يكن بلغة الإسلام المعروفة بينهم.
الخامس: أن أولئك كانوا بين ظهراني المسلمين وبين أيديهم، وهذا بعيد عنهم ليس بين أيديهم ولا تحت حكمهم.
السادس: أنه يقبل من الكافر ما لا يقبل من غيره، ويسكت على قوله إذا كان في ذلك مصلحة، وذلك ما حصل في صلح الحديبية؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال للكاتب: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم. قال سهيل: أما الرحمن فوالله ما ندري ما هو، ولكن اكتب: باسمك اللهم كما كنت تكتب، ولما قال: اكتب هذا ما قضى عليه محمد رسول الله، قال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك.
فهذا سهيل ينكر الرحمن وهي صفة لله، وينكر رسالة محمد صلى الله عليه وسلم.
ومع ذلك قبل صلى الله عليه وسلم وكتب كما أراد سهيل.
ومع أن المشركين قد سلبوا من أسلم من أهل مكة ماله، إلا أنه لم يقاطعهم ولم يأمر أحدًا بمقاطعتهم.
فإن قيل: بل كنا معهم في عهد وهذا نقض، قلنا: لِمَ لم ينقضوا عهدهم وقد أعانوا على احتلال بلدين مسلمين وغزوهما – افغانستان والعراق - وهذا ناقض بالإجماع وهو الأسبق وليس فيه أدنى خلاف.
وأيضًا فإن عمر لما قيل له ما فعل الراهب قال لو سمعته لقتلته ولم يأمر أحدًا بالذهاب إليه لقتله.
وكذا قال عبدالله بن عمر ولعل عمر ترك ذلك لمصلحة عدم القتل.

الوقفة السادسة
إن الإسلام جاء بسد الذرائع؛ فنهينا عن سب آلهة الكفار والمشركين، وحرم ذلك لكي لا يكون ذلك ذريعة لسب الله سبحانه وتعالى.
فالأولى في مثل ما حصل أن يترك فاعله يعوي على نفسه؛ لأن مناكفته كما حصل ستؤدي إلى إشهار سبه وتنقصه وتناصر الكفار على ذلك، وهذا ما حصل.
فإذا غلب على الظن أن ذلك يكون حُرِّمَ كل فعل يؤدي إلى إشهار سبه وإظهار تنقصه، وإن كان في أصله جائز.
ألا ترى في قصة عائشة - والأمر أقل من ذلك - نهي الصحابة عن الحديث فيه وأرشدهم الله إلى ذلك بقوله: (ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم) [النور/ 16] فأرشد الله المؤمنين إلى قطع الحديث فيه مطلقًا.
وكذلك جاء منهج أهل السنة والجماعة في ما حدث بين الصحابة من الفتنة فإنهم أوجبوا الإمساك عن الخوض فيه.
ولذلك أخطأ خطأً عظيمًا من أمر بنشرها زعمًا منه أنه يلهب مشاعر المسلمين؛ فهو بهذا ينشر إساءة النبي صلى الله عليه، ويحقق لمن أساء مقصوده.

الوقفة السابعة
أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينتصر لنفسه قط؛ فقد سحره اليهود عن طريق لبيد بن الأعصم، وعلم بذلك، وتأذى من ذلك ستة أشهر، ولم يقتل لبيدًا ولم يقتل الجارية التي أعانته بأخذ شعر النبي صلى الله عليه وسلم.
وكذلك لم يقتل اليهودية التي سمّته، والذين قالوا إنه قتلها قالوا قتلها لما مات صاحبه الذي أكل معه، وهو البراء بن بشر.
ومع ما جرى من ذلك كله لم يقاطعهم ولم يأمر بمقاطعتهم تجاريًا.

الوقفة الثامنة
كيف ينصر الرسول صلى الله عليه وسلم؟
بل كيف ينصر الله أولاً؟
ينصر الله بنصر شريعته كما قال سبحانه وتعالى: (إن تنصروا الله ينصركم) والله ليس في حاجة لنصرة العبد. وإنما إعزاز الله بتوحيده وإظهار شريعته.
فإذا كان ذلك في جناب الله، فهو كذلك في جناب النبي صلى الله عليه وسلم نصرته بنصرة شريعته لا بتحريفها والابتداع فيها.
ولذلك كان الذب عن دينه أعظم من الذب عن نفسه؛ لأنه جاهد بنفسه وعرضها للهلاك من أجل دينه.
ومخالفة شرعه أعظم من نصرة مزعومة؛ وتأمل أنه في معركة أحد جعل الرماة على الجبل وقال لهم: "إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا".
فلما خالفوا أمره ونزلوا طلبًا للغنيمة انقلب نصرهم هزيمة بسبب مخالفة أمره صلى الله عليه وسلم.
وفي مقولته تلك – في معركة أحد - جعل المحافظة على شرعه بطاعته أعظم من نصرة جسده، لذلك قلنا إن الذب عن دينه أعظم من الذب عن نفسه، لأن المقصود من إرساله أصلاً هو إظهار الشريعة وإعزاز التوحيد.
وهذا الذي كان عليه الصحابة؛ فانظر إلى أبي بكر - كما ثبت في الصحيح - تأتيه فاطمة رضي الله عنها تسأله ميراث النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: لا، سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "لا نورث ما تركنا صدقة"؛ فتغضب عليه فاطمة إلى أن توفيت.
ولو كان أبو بكر رضي الله عنه يعمل بالعاطفة على حساب الشريعة لقال: هذه فاطمة بقية الرسول صلى الله عليه وسلم وهي ليست بالغنية، هذه أحب بناته إليه هذه سيدة نساء الجنة، هذه أم الحسن والحسين، هذه... إلخ.
ثم سوغ لنفسه أن يخالف أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن حاشاه فبهذا حفظت الشريعة وتحفظ.
لذا لا يجوز أن ينصر الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بأمر مشروع يوافق شريعته صلى الله عليه وسلم.
وليست المحبة أن يخالف شرعه، ولو كان بدعوى نصرته، وإذا كانت محبة الله إنما تثبت باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، فكذلك من باب أولى محبته.

الوقفة التاسعة
إننا لو عملنا بالمقاطعة لهذا السبب؛ فإن قياس الطرد والأولى سيجعلنا نقاطع دول العالم كلها فتأمل.
وبالتالي نعيش في عزلة تنافي مقصود الشارع، ولذلك بدل أن يكون عدونا من كتب ونشر وسعنا دائرة أعدائنا إلى جميع قارات العالم، وانتشرت المفسدة التي زعمًا كنا ندرؤها.
وبلغ من فرط جهل كثير من الناس والجمعيات المسلمة المطالبة بسن قانون دولي يحترم الأديان، وهذا عام يلزم المسلم أن يحترم كل النحل الأرضية.
ويا ليت المسلمين غضبوا قبل هذه الغضبة على من سب عيسى عليه السلام في تلك البلاد، وذلك كثير! لأن عقيدتنا في الأنبياء واحدة.
ومن عجيب أمر الناس في هذا العصر أنهم قاطعوا تلك البلد الذي سب فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يقاطعوا بلدًا مسلمًا حرف حاكمها كتاب الله وأنكر سنته وأبطل شريعته وغير قبلته وحارب أتباعه.
ومع الأسف فإنه يأمر بالمقاطعة وكأنه يضحك على المسلمين، أليس هذا أحق بالمقاطعة من غيره؟!
كذلك ألا يلزمنا القياس بمقاطعة من سلم المسجد الأقصى وأعان على احتلاله وأبطل الجهاد من أجله.
كذلك أليس القياس يلزمنا بمقاطعة تلك الدول، التي تزعم أنها مسلمة، وليس لها هم إلا محاربة الإسلام.
فعلينا أن نجزم ونؤمن أن الله متم نوره ولو كره الكافرون، وكما حمى النبي صلى الله عليه وسلم في حياته برغم كل ما حدث وعصمه، فكذلك يحميه وهو ميت. ولنتصف بالحلم، وتأمل كيف يحلم ربك على من كفر به وسبه وشتمه وتنقصه وعصاه.
والأمور كلها بيد الله والعاقبة لله ولرسوله ولدينه.
وتأكيدًا لذلك فقد قال تعالى مخاطبًا نبيه صلى الله عليه وسلم: (ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلاً) [الأحزاب/ 48].
وقال تعالى: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون) [الأنعام/ 112].
فإذا كانت المصلحة فلنذرهم وما يفترون، وكذلك قال: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًا من المجرمين وكفى بربك هاديًا ونصيرًا) [الفرقان/ 31].
وتأمل كيف ختم الآية بالكفاية والهداية والنصر.
وقال تعالى: (إنا كفيناك المستهزئين) [الحجر/ 95].
وقد حصل مفاسد عظيمة على المسلمين؛ فكم من دماء المسلمين أهريق ولم يهرق دم من سب وشتم.
وكم خسر المسلمون في ملصقات أكثرها ملصقات كتبت بعبارات ليست موافقة للشرع مثل (محمد وبس)، وهي بالإطلاق لا تجوز لما في ذلك من نفي لحق الرب.
ومن المفاسد أنها وزعت وألصقت في مساجد المسلمين في البلاد الإسلامية وكأنهم هم من سبّ الرسول صلى الله عليه وسلم.
وكذلك ركبت المنامات وانتشرت بدع بسبب ذلك؛ بل ووضعت أقوال على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم.

الوقفة العاشرة
أنه لا يعبد الله إلا بما شرع، وأنه لا جهاد بدون تطبيق لأحكام الجهاد وأنه لا يرفع الجهل إلا العلم.
وعليه أقول: إن مقتضيات تشريع المقاطعة وجدت في جميع عصور الأنبياء ومع ذلك لم تشرع في أي دين سماوي.
فقد سب الله، وقتل الأنبياء وسبوا، وحوربت الشرائع، وقتل المؤمنون. ومع ذلك لم يفعلها الأنبياء انتصارًا لله ولرسوله ولشرائعه وللمؤمنين.
وفي شريعة محمد صلى الله عليه وسلم خاصة، ولم يفعلها الصحابة، ولم يقل بها التابعون، ولم يفتِ بها إمام.
لذلك أقول - والله المستعان ;كما قال شيخ الإسلام بن تيميه ( من تقرب إلى الله بما ليس من الحسنات المأمور بها أمر إيجاب ولا استحباب فهو ضال متبع للشيطان وسبيله من سبيل الشيطان )- وعليه يمكن أن يقال إنَّ تعبُّدَ الله بالمقاطعة بدعة لا يؤجر عليها ولا يثاب.
ولا يصح للمسلم أن يفعلها على وجه التعبد، وقال بعض المحققين: إنه يؤجر على حسن القصد، فليس من أراد الخير وأخطأه كمن أراد الشر وأصابه، ولكن تبقى المقاطعة أمرًا مباحًا تحدده المصلحة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
للكاتب سعود بن محمد العقيلي



-----------------


في إناطة المقاطعة الجماعية بـ (ولي الأمر)
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أما بعد:

فالأصل المقرر في عموم التعامل مع الكفارجوازه مطلقًا سواء كانوا أهل ذمة أو مستأمنين أو محاربين، ويستثنى من ذلك ما كان الحرام في ذات المتعامل فيه كالعوض المحرم مثل: الخمر ولحم الخنزير والميتة، أوكالمنفعة غير المباحة مثل: الفوائد الربوية، والعين غير المباحة مثل: العنب يتخذ خمرًا، أو ملك العين، أو إجارتها لغاية محرمة، وكذلك يحرم التعامل في الوسائل التي يستعين بها أهل الحرب على أهل الإسلام أو يستعينون بها في إقامة دينهم، وأعيادهم، ولا بيع مصحف ولا العبد المسلم للكافر مطلقًا، فما عدا هذا فمعاملتهم جائزة إجماعًا (١- المجموع للنووي: 11/40)، ويدل عليه ما ثبت وقوع معاملة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه أهل مكة قبل الهجرة، ومن يرد عليها من طوائف الكفار، كما عامل مع من وفد إلى المدينة من الأعراب الباقين على الشرك، وبعد هجرته صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة عامل هو صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه اليهود من أهل المدينة وممن حولها من الأعراب، وكانت معاملة الصحابة لهم -أيضا- بمرأى منه ومسمع، ولم ينقل على كثرة معاملاتهم التجارية والمالية، وطول مدتها، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم منع معاملة الكافر مهما كانت صفة كفره عنادًا أو جهلاً أو نفاقًا، بل أحاديث كثيرة ثبت فيها تعامل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه مع يهود المدينة بالبيع، والشراء، والقرض، والرهن، وغير ذلك من المعاملات المالية والتجارية المباحة في ملتنا، وقد بوَّبَ البخاري- رحمه الله- لهذا المعنى" باب الشراء والبيع مع المشركين وأهل الحرب"(٢- صحيح البخاري: 4/410( 2216)).


هذا، وليس جواز معاملة الكفار من الركون المنهى عنه، فقد انتفى بما ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها "أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اشترى من يهودي طعامًا ورهن درعًا من حديد"(٣- متفق عليه: أخرجه البخاري: 4/302 رقم( 206)، ومسلم: 11/40 من حديث عائشة رضي الله عنها)، ولا يستفاد من الحديث جواز بيع السلاح للكفار، لأنَّ الدرع ليس من السلاح، والرهن ليس بيعًا، واليهودي كان من المستأمنين تحت الحماية والحراسة فلا يخشى منه سطوة، أما إعانة أعداء الله بالأسلحة فقد تقدم تحريم التعامل فيها إجماعًا، بل هي معدودة من الخيانة العظمى.
وعليه فالتمسك بمبدأ جواز معاملة الكفار، وخاصة ما للمسلمين فيه حاجة، فإنه لا يقدح أصلاً في عقيدة الولاء والبراء التي هي من أوثق عرى الإسلام، ما دام يبغض الشرك والكفر وأهله، ولا يرضى به ولا يقرعليه، ولا يتخذ الكفار أولياء يلقي إليهم بالمودة، ولا يناصرهم ويمدحهم، ويعينهم على المسلمين، ولا يتشبه بهم فيما هو من خصائصهم دنيا ودينًا، ولا يتخذهم بطانة له يحفظون سره، ويتولون أهم أعماله، ولا يتحاكم لهم، أو يرضى بحكمهم، ويترك حكم الله ورسوله، ولا يعظم الكافر بلفظ، أو فعل، ولا يشاركهم في أعيادهم، وأفراحهم، ولايهنئهم عليها، ولا يواليهم في كل شيء في الظاهر والباطن، ولا يداهنهم ويجاملهم على حساب الدين، تلك هي بعض حقوق البراء التي يلتزم بها المسلم عقيدة وعملاً، وبها تحصل مخالفة أصحاب الجحيم، وتتحقق له الشخصية الذاتية المستقلة، سيرًا على الهدي القويم، والصراط المستقيم، وهي أعظم من مقاطعة السلع والبضائع، إذ هي من لوازم الشهادة، ومكملات الإيمان لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:" مَنْ أَحَبَّ فِي اللهِ، وَأَبْغَضَ فِي اللهِ، وَأَعْطَى للهِ، وَمَنَعَ للهِ، فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ"(٤- أخرجه أبو داود في السنة(4683)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (6/16/2،9/396/2)، من حديث أبي أمامة رضي الله عنه. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة:(380)، وفي صحيح الجامع (5965)).

هذا، وأما مقاطعة البضائع والمنتجات لبعض الدول الكافرة فإن حكمها يختلف باختلاف طبيعة المجتمع المسلم، وقوة شوكته، وانعكاسات المقاطعة عليه، ذلك لأن المعلوم أن الدولة التي يعتمد اقتصادها وصناعتها على استيراد المنتوجات التجارية، والمواد المصنعة من الدول الكافرة، فهي مرهونة بها لضعفها، والكفر ملة واحدة، والكفار على قلب رجل واحد على أهل الإسلام، فلو قوطعت بعض البلدان الكافرة، فإنَّ الارتباط بغيرها يبقى مستمرًّا على الدوام لانتفاء قيام الأمة بنفسها، ولو تنازلت هذه الدول لحساب المقاطعين، فإنها لا تعود على مصلحة الإسلام ومنافعهم لهوانهم وضعف شوكتهم.

وهذه النظرة المآلية تقديرية، غير أنَّ ولي الأمر المسلم ـ في مراعاته لمصالح المسلمين وتقديره للمفاسد ـإنْ حكَّم سلطته التقديرية، بمشورة أهل الرأي والسداد، واختيار المقاطعة الجماعية لأي بلد كافر، كحل مناسب، يعلي به راية الدين، وينصر به المسلمين، ويخزي به الكافرين، فإن طاعته فيما حكَّم لازمة لارتباط هذا الاختيار بالشئون الأمنية والعسكرية للبلاد التي تناط مهامها بولي الأمر دونما سواه، جريًا على قاعدة: "تصرف الحاكم يناط بالمصلحة" إذ أنَّ: "منزلة الإمام من الرعية منزلة الولي من اليتيم" كما قال الشافعي رحمه الله(٥- انظر: المنثور للزركشي: ( 1/183))، وعلى هذا المعنى تحمل الأحاديث الصحيحة الواردة في حصاره صلى الله عليه وآله وسلم لبني النضير، وتحريق نخيلهم، وفي منع ثمامة بن أثال، فقال لأهل مكة:" وَاللهِ لاَ يَأْتِيكُمْ مِنَ اليَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ"(٦- أخرجه البخاري في المغازي (4372)، ومسلم في الجهاد والسير (46، وأحمد (100، والبيهقي (13215)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وغيرها من الوقائع الكثيرة الدالة على الجهاد بالمال وغيره من أنواع الجهاد، المبنية على درء المفاسد وجلب المصالح فهي محمولة على تقدير إمام المسلمين وإذنه.

ومما تقدم تقريره، فيمكن ترتيب الحاصل منه على الوجه التالي:

أولا: إنَّ الأصل في التعامل التجاري والمالي مع الكفار جائز مطلقًا مالم يكن التعامل فيه محرما سواء كان عينًا أو عوضًا أو منفعة أو إجارة، كما لايجوز أن يكون فيه إعانة على أهل الإسلام، أو ما يستعينون به على إقامة دينهم.

ثانيا: لاحرج فيمن يتمسك بالأصل السابق، فإنه لا يقدح أبدًا في عقيدة الولاء والبراء ما دام يلتزم بحقوق البراء السالفة البيان، وبشرط أن لا يتعمد ترك الشراء من المسلم مطلقًا بإيثار الكافر عليه من غير تبرير صادق.

ثالثا: ولاحرج- أيضا- فيمن سلك سبيل المقاطعة المنفردة إن أراد سبيل إضعاف اقتصاد أهل الكفر،وإظهار براءته منهم، وعدم الرضا عنهم، لكن بشرط أن لا تصدر منه تصرفات الفساد والإفساد: إما بتضليل المخالف فيها، ورميه بموالاة أعداء الله، والتعاون معهم على باطلهم، وإتلاف الأموال، وإضاعة السلع والمنتجات بتحريقها وتكسيدها، فإنَّ ذلك ضرر بالمسلم وعدوان على ماله وعرضه: ﴿وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ﴾ [البقرة: 205]،قال صلى الله عليه وآله وسلم:" كُلُّ المُسْلِمِ عَلىَ المُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ"(٧- أخرجه مسلم في البر والصلة والآداب (6706)، وأبو داود في الأدب (4884)، والترمذي في البر والصلة (2052)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه) وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيكْمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا"(٨- أخرجه البخاري في العلم(67)، ومسلم في القسامة(4477)، وأحمد(2923)، والدارمي(1968)،والبيهقي(9894)، من حديث أبي بكرة رضي الله عنه)، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "لاَضَرَرَ وَلاَضِرَارٍ"(٩- أخرجه ابن ماجه في الأحكام (2341)، وأحمد(3/267)،وصححه الألباني في الإرواء (3/40 رقم (896)، وفي غاية المرام:(68)).

ومن جهة أخرى لا يجوز أذية الكافر في دمه وماله وعرضه إن لم يكن محاربًا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم يقول الله تعالى:"يَاعِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلى نفسي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُواْ"(١٠- أخرجه مسلم في الآداب والصلة (6737)، وابن حبان (621)، وأحمد(20960)، والبيهقي (11837)، والبزار (885)، من حديث أبي ذر رضي الله عنه)، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ "‏أَلاَ مَنْ ظَلَمَ مُعَاهَدًا أَوْ انْتَقَصَهُ حَقَّهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهُ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ‏.‏ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ‏‏‏‏‏"(١١- أخرجه أبو داود في الخراج:(3054) والبيهقي:( 19201)، من حديث صفوان بن سليم عن عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والحديث حسنه ابن حجر في موافقة الخبر الخبر(2/184)، وقال السخاوي في المقاصد الحسنة: (459) "إسناده لا بأس به"، وصححه الألباني في الصحيحة( 1/807) ومشكاة المصابيح( 4047)) فالواجب التعامل معهم بالعدل، وخطأ الواحد منهم لايلزم به الجميع لقوله تعالى: ﴿وَلاَتَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: 164]، ولقوله تعالى:﴿ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [المائدة: 8]، وإذا كان لهم مع أهل الإسلام عهود، أو كان لهم على المسلمين ديون، فلا يجوز لمن اتخذ من المقاطعة سبيلا أن لا يفي بعهدهم، أو يحرمهم من ديونهم، فالواجب الوفاء بها إليهم لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَآمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ﴾[المائدة: 1]، ولقوله تعالى: ﴿وَأَوْفُواْبِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً﴾ [الإسراء: 34]، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "أَدِّ الأَمَانَةَ إِلىَ مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلاَ تَخُنْ مَنْ خَانَكَ(١٢- أخرجه الترمذي في البيوع :(1264) و أبو داود في الإجارة (3535) ،والدارمي في البيوع (2652). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث صححه السخاوي في المقاصد الحسنة(51)، والألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (424)).

رابعا: في حالة ما إذا تولى ولي الأمر أو الحاكم مسؤلية اختيار منع التعامل مع بلد كافر، تحقيقا لمصلحة المسلمين، فإنه تجب طاعته في المقاطعة الجماعية بما تقرر في القواعد العامة، وتحمل الأحاديث الواردة في هذا الشأن على هذا المعنى.

هذا ما ندين به الله ربَّ العالمين في هذه المسألة، نسأل الله أن يعزَّ دينه، ويعلي كلمته، وينتصر لنبيه ودينه، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً، ويرزقنا اجتنابه، اللهم وفِّق هذه الأمة للتمسك بالعقيدة فيك، والرجوع إلى دينك، والاعتزاز به، إنَّك سميع قريب مجيب.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين ،وسلم تسليما كثيرًا.

الجزائر في: 14 محرم 1427ﻫ
الموافقﻟ: 13 فبراير 2006م

الشيخ د/ أبو عبد المعز
محمد علي فركوس




_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكرك على الإطلاع على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ، ولو إسما مستعارا ; للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو مراعاة أخلاق المسلم ; حتى لا نضطر لحذف التعليق
تقبل أجمل تحية
ملاحظة :
يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..