"علينا أن نتفاوض سنوياً مع وزارة القوة
العمالية لتحديد عدد الطلبة المقبولين في مختلف أقسام الجامعة لنضمن وجود
وظائف لطلابنا عند تخرجهم"،، كانت تلك مقولة المسؤول في جامعة سنغافورة
الوطنية (راندال أونج) خلال محاضرة حول سياسات التعليم العالي في ذلك البلد
الآسيوي الصاعد بقوة لعالم الدول الصناعية !! مقالة اليوم تستعرض التجربة
السنغافورية في الحرب على البطالة...
----------
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
بداية لابد من التأكيد على سياسة مهمة تتبعها القيادة السنغافورية
والمتمثلة في الحد من نسب قبول الطلبة في الجامعات! نعم ففي سنغافورة يعتبر
معدل الالتحاق بالجامعة منخفضاً (أقل من 30%) لضمان عدم تخريج طلاب يحملون
مؤهلات أكثر من احتياج سوق العمل. ويؤكد وزير التنمية الوطنية (خاو بون
وان) هذا المبدأ بقوله: "هل تريد البلاد كلها 100? من خريجي الجامعات؟ أنا
لست على يقين من ذلك. لكن ما لا نريده هو خلق بطالة كبيرة من خريجي
الجامعات!!".
وفي المقابل، فنسبة الالتحاق بالمعاهد الفنية تصل لحوالي 79% حسب
إحصاءات العام 2012م. كما نجد أن الإقبال ضعيف نسبياً من الطلبة
السنغافوريين لإكمال دراساتهم العليا وذلك لأسباب اقتصادية! وللتوضيح
فيتسلم المتميزون من خريجي البكالوريوس للأقسام المالية والعاملون في
البنوك ما يقارب مرتين ونصف ما يتسلمه خريجو الدكتوراة في سنغافورة.
وبالنظر إلى مخرجات جامعة سنغافورة الوطنية ففي دراسة مسحية أجريت مؤخرا
لنسبة توظيف الطلاب خلال ستة أشهر من تخرجهم فقد تمكن حوالي 90% من خريجي
كليات الهندسة والمحاسبة وغيرها من الحصول على وظائف، وبالمقابل فلم تتجاوز
هذه النسبة 75% بالنسبة للطلبة المتخرجين من أقسام الفنون والدراسات
الاجتماعية. لاحظ أن هذه الأرقام مقصورة على الوظائف الرسمية ولا تشمل من
هم على بند العقود! وفي الواقع لا يتجاوز متوسط معدل البطالة في سنغافورة
حوالي 2%.
ولنختصر الدروس المستفادة من سنغافورة فيما يتعلق بسياسات التعليم
العالي والحرب على البطالة فهي: 1) ربط أعداد طلاب الجامعات والأقسام
العلمية بخطط وزارة القوة العمالية ووزارة التنمية الوطنية، 2) رفع مستوى
المعاهد الفنية والدفع بالنسبة الأكبر من خريجي الثانوية لهذه المعاهد، 3)
توعية الطلاب وإعدادهم عبر مراكز دعم التوظيف في الجامعات والمعاهد، 4)
بناء علاقات قوية مع القطاع الصناعي وخاصة من أرباب العمل ، 5) دعم مبادرات
ريادة الأعمال بين الطلاب. ولا شك أن هنالك الكثير من الدورس الأخرى مما
يصعب حصره في هذه الأسطر القليلة.. وقد يصعب استنساخ التجربة السنغافورية
بحذافيرها خاصة في الدول ذات التعداد السكاني الكبير إلا أن ذلك لا يمنع
الاستفادة منها وتكييفها بما يتناسب مع الاحتياجات المحلية.
وتظل كلمة السر لنجاح سياسات التوظيف والحرب على البطالة في أي بلد
مرتبطة بالقدرة على خلق فرص العمل لأبناء الوطن عبر تخطيط تنموي استراتيجي
قادر على استقطاب الاستثمارات الخارجية ودعم الصناعات المحلية ومشاريع
ريادة الأعمال الوطنية بالإضافة لتطوير تعليم فني وجامعي على أعلى
المستويات. ورغم مسؤولياتها الكبرى فالجامعات وحدها يستحيل عليها أن تحل
مشكلة البطالة..
وأخيرا، عندي اقتناع كامل بأن التحكم بالمدخلات (أعداد الطلبة الدراسين
في الجامعات) أفضل من التعامل مع المخرجات (الطلبة بعد تخرجهم بالمؤهلات
الأكاديمية) لأن إدخال هذه الأعداد الكبيرة للجامعات قد يعني استثماراً فوق
الحاجة وتأجيل المشكلة ومواجهتها لاحقاً لا قدر الله!! وأختم بمقولة (ليم
تشوان بوه) رئيس الوكالة السنغافورية للعلوم والتكنولوجيا والأبحاث: "أسوأ
شيء يمكن أن تصنعه الدولة لنفسها هو أعداد كبيرة من خريجي الجامعات
العاطلين عن العمل لأنهم الأقدر على إحداث أكبر إزعاج وخلق أصعب المتاعب".
د. م. عصام أمان الله بخاري
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكرك على الإطلاع على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ، ولو إسما مستعارا ; للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو مراعاة أخلاق المسلم ; حتى لا نضطر لحذف التعليق
تقبل أجمل تحية
ملاحظة :
يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..