الصفحات

الجمعة، 11 ديسمبر 2015

تجّار المغشوش.. لاضمير ولاذمّة !

الاثنين 6 محرم 1437 هـ(أم القرى)- 19 اكتوبر 2015م - العدد 17283
أسواقنا تحوّلت لمكب لـ«نفايات لسلع شرق آسيا الرديئة والمغشوشة».. والضرر يهدد المجتمع صحياً واقتصادياً
تحقيق - سعد بن عبدالله
    "العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة" قانون اقتصادي ينسب للسير توماس جريشام، تأكد بصورة جلية في سوقنا المحلي الذي طفح بالسلع المغشوشة والمقلدة، لنجد أسواقنا تغرق "بنفايات السلع المغشوشة" القادمة من بعض دول شرق آسيا، فبعد أن كنا لا نستورد إلا السلع ذات السمعة العالية والماركات العالمية قبل أن نعرف المواصفات والمقاييس وقبل حماية المستهلك المغيبة، ورغم الحراك الذي تقوم به وزارة التجارة في حماية المستهلك من تعنت التجار، وحجم المضبوطات المخيف من السلع المغشوشة والمقلدة الذي نجحت في ضبطه مصلحة الجمارك العامة والذي وصل إلى 84 مليون وحدة، فيما تم منع دخول حوالي "57" مليون وحدة، كل ذلك يستدعي التساؤل عن سبب تمادي هؤلاء التجار الذين تخلوا عن مواطنتهم سعياًَ وراء الكسب غير المشروع، هل هي العقوبات الهزيلة التي عجزت عن ردعهم، أو أن ثقافة المستهلك كانت سبباً في رواجها مما أدى إلى انقلاب المفاهيم وتفلت المعايير بعد أن كانت العلامات التجارية مطلباً ملحاً لكل متسوق، وسمعة التاجر والمتجر تأتي فوق كل اعتبار.

الغش يغرق أسواق الكهرباء والغذاء والأثاث وقطع السيارات ويطال حتى الأدوية.. العقوبات المالية لا تكفي
خطر الغش في الأجهزة الكهربائية قد يقود للوفاة
حماية المستهلك
وتحمل منال الشريف -مسؤولة فرع جمعية حماية المستهلك في منطقة مكة المكرمة سابقا- وزارة التجارة مسؤولية إغراق أسواقنا بالسلع المغشوشة والرديئة، وقالت إن قرارات وزارة التجارة في ما يخص حماية المستهلك في جانب تلك البضائع لا تتناسب مع العقوبات التي فرضتها الوزارة على التاجر المحلي فيما يخص حفظ حقوق المستهلك، إذ إن منع بيع تلك السلع والحد من انتشارها أهم بكثير من استبدال سلعة، أو ماشابهها من قرارات، مؤكدة أنها لا تنتقص من جهود الوزارة لكنها تنوه إلى أولوية مكافحة آفة السلع الرديئة التي تمتد أضرارها إلى المجتمع كافة، وتتسبب في خسائر هائلة وتؤدي إلى هلاك الأنفس وتدمير اقتصادنا.
وأضافت إن تشكيل مجلس إدارة جمعية حماية المستهلك اقتصر اختيار أعضائه على مدينة واحدة، وهذا محل استغراب ويستدعي المراجعة، وسيكون له تأثير سلبي على أداء الجمعية رغم وضعها غير الجيد في السابق، وطالبت أن تكون الجمعية ذات صفة اعتبارية وعدم اقتصار المجلس على مدينة واحدة قياساً على المساحة الجغرافية الكبيرة للمملكة ووجود أسواق بحجم جدة ومكة والمدينة والدمام والقصيم وغيرها تشهد كثافة بشرية ونشاطات تجارية كبيرة، مطالبة بمنح الجمعية استقلالية تمكنها من القيام بمهامها وتحقيق أهدافها، ورفع الوصاية عنها، مؤكدة أن مثل تلك المؤسسات لديها قابلية للتطور وتقديم خدمات ذات تأثير أكبر، بعيداً عن بيروقراطية الإدارات الحكومية وتعقيداتها.
تفعيل الرقابة
ورأت الشريف أن الجهات الحكومية المعنية بحماية المستهلك مطالبة بدور أكبر في حماية المستهلك بمنع دخول تلك البضائع وزيادة التنسيق التنسيق فيما بينها، لضبط الأسواق، خاصة وأن وزارة التجارة والأمانات والبلديات بدأت خطوات جيدة في تفعيل الرقابة وإن كانت أجهزتها الرقابية لا تتناسب مع حجم السوق الكبير، موضحة أن غياب عقوبة التشهير هو البلسم لتجار المغشوش، لأن العقوبات المادية لا تعني لهم شيئاً وما يتم ضبطه لايتجاوز 1% في أحسن الأحوال مما يتم تمريره للسوق، مؤكدة أن حصة كبرى من البضائع المغشوشة يقف خلف تمريرها للأسواق عمالة أجنبية يتستر عليها مواطنون يحصلون على الفتات من هؤلاء المخالفين، متساءلة عن غياب الجهات الرقابية عن هؤلاء التجار الذين أصبحت لهم مكاتب دائمة في الدول المعروفة بتصديرها الرديء والمغشوش، واستمرار نشاطاتهم لسنوات دون أن يتعرضوا لمساءلة أو عقاب؛ وأضافت أن الغش طال حتى مياه زمزم في تأكيد على أن هؤلاء لا ذمة ولا رادع يقف أمام جشعهم واستهتارهم.
الأدوية المغشوشة
من جهته حذر د. منصور الطبيقي -مدير مركز معلومات الأدوية في مستشفى الولادة بجدة- من خطورة الأدوية المغشوشة، مؤكداً دخول أدوية مغشوشة للسوق المحلي وتباع علناً في الصيدليات التجارية، خاصة التي تستخدم لعلاج السمنة.
وقال إن صيدليات القطاع الخاص أكثر عرضة لدخول تلك الأدوية نتيجة غياب الخبرة وعدم وجود معايير دقيقة لضمان اكتشافها ومنع تسويقها، لافتاً إلى لجوء المصنعين لتلك الأودية لمحاكاة المنتج الأصلي في شكل العلبة والتغليف والألوان إلى درجة التماهي مما يصعب اكتشاف الفارق لدى كثير من المستخدمين والصيادلة، مطالبا بعقد دورات تدريبية للصيادلة لتعريفهم بأساليب الغش وكيفية فحص العينات للتأكد من سلامتها، كما نوه إلى أن هيئة الغذاء والدواء ووزارة الصحة ممثلة في التفتيش الدوائي مطالبة بالتنسيق فيما بينها لمنع دخول الأدوية المغشوشة للسوق المحلي، والقيام بجولات تفتيشية على الصيدليات على فترات متقاربة لوجود أدوية غير مسجلة تباع في السوق، وبأسعار مرتفعة، مؤكداً اكتشافه بنفسه في أحد الصيدليات المشهورة بجدة أدوية غير مسجلة.
وحذر د. الطبيقي من الانسياق خلف الدعايات المضللة وعدم موثوقية شراء الأدوية عبر الإنترنت لافتقاد تلك الأدوية المصدر المعتمد، وفي الغالب تكون تلك الأدوية مقلدة وتعرض بأسعار رخيصة قياساً للأدوية من الشركات المنتجة لها، مشيرا إلى أن الغش لم يتوقف عند الأدوية رغم خطورة هذا النوع من الغش، بل امتد إلى مختلف الجوانب، حيث نجد الغش في السلع الغذائية والتجارية والصناعية وقطع غيار السيارات، وهذا يستوجب مراجعة شاملة لأنظمتنا، وسن القوانين الرادعة التي تحمي اقتصادنا، وتقلص من خسائرنا على المستوى الفردي وعلى مستوى الوطن.
القانون والعقوبات
ويشير فواز الزهراني -المحامي والمستشار القانوني- إلى أن الغش في المعاملات أو البيوع أو السلع وغيرها يُعد جريمة خطرة تستوجب معاقبة مرتكبيه بعقوبة صارمة، وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا".
وأضاف أن نظام مكافحة الغش التجاري تضمن العديد من المواد الهادفة للحدّ من حالات الغش في المعاملات التجارية وضماناً لحقوق المستهلكين للسلع والمنتجات ومعاقبة من يجرؤ على الخداع والتلاعب في البيع والشراء فقد نصت المادة (الثانية من النظام) على أنه يُعد مخالفاً لأحكام هذا النظام كل من:- خدع أو شرع في الخداع بأي طريقة من الطرق في ذاتية المنتج أو طبيعته أو نوعه أو عناصره أو صفاته الجوهرية أو مقداره أو وزنه أو عدده، أيضاً من باع منتجاً مغشوشاً أو حازه بقصد البيع ومثله من صنع منتجات مخالفة للمواصفات القياسية المعتمدة أو استوردها، إضافة إلى ذلك فإن نظام مكافحة الغش التجاري المشار إليه قد نص على العقوبات المقررة لمن ارتكب تلك المخالفات المذكورة وهي الغرامة التي لا تزيد على خمس مئة ألف ريال أو السجن مُدّة لا تزيد على سنتين أو بهما معاً (المادة 16) فإذا اقترن هذا الغش والخداع بأشياء تضر بصحة الإنسان أو الحيوان فتصل الغرامة إلى مليون ريال والسجن إلى ثلاث سنوات (المادة 18) وتتضاعف العقوبة بتكرار الغش والإصرار عليه مع التشهير بالغاش على نفقته في جريدتين يوميتين وهذا ما أشارت إليه (المادة 25) وهناك عدد من العقوبات الأخرى المقررة على حالات مختلفة وموضحة تفصيلاً بنظام مكافحة الغش التجاري، وأكد المحامي الزهراني على أن المتضرر له أن يشكو الجهة التي اشترى منها السلع المغشوشة عن طريق إبلاغ الجهة المختصة بوزارة التجارة بكافة طرق الإبلاغ وفي حال ثبوت صحة شكواه يتم توقيع عقوبة على تلك الجهة من قِبل الوزارة، كما أنه يحق لأي شخص تعرض لشراء أي سلعة مغشوشة من قِبل أحد التجار أو الشركات أن يرفع دعوى لدى ديوان المظالم مطالباً بالتعويض عما أصابه من أضرار مترتبة على هذا الغش (المادة 13 من النظام) كما أن لهذا الشخص الحق في الحصول على تعويض يتم تقديره بصفة عادلة من قِبل الدائرة القضائية الناظرة لدعواه وذلك بمراعاة الأضرار المادية الناتجة عن هذا الغش على اختلاف أنواعها، ولكن ينبغي أن يتم رفع تلك الدعوى خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوماً من تاريخ شراء السلعة ما لم ينص اتفاق البيع على مدة أطول أو كان اكتشاف الغش بعد مدة أطول من المدة المذكورة، وللمشتري كذلك طلب إعادة قيمة المنتج المغشوش وفق شروط منصوص عليها في نظام مكافحة الغش التجاري.
ضبط 84 مليون وحدة مغشوشة
بدوره كشف عيسى العيسى -المستشار والمتحدث الرسمي لمصلحة الجمارك العامة- عن ضبط حوالي "84" مليون وحدة من المواد المغشوشة والمقلدة من بداية العام الحالي 2015 إلى إلى 30 / 9، فيما بلغ إجمالي ما تم منع دخوله لعدم مطابقته للمواصفات القياسية لنفس الفترة حوالي "57" مليون وحدة، كما بلغ إجمالي ما تم ضبطه من قطع غيار السيارات المغشوشة والمقلدة لنفس الفترة حوالي "400" ألف وحدة، ومن الأدوية حوالي "327" وحدة.
وأوضح أن الجمارك السعودية حرصت على سلامة الواردات من خلال قيام الهيئة العربية السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة بإصدار المواصفات القياسية للسلع بحيث تتمكن جهات إصدار شهادات المطابقة وكذلك المختبرات العامة والخاصة من تحليل الأصناف المستوردة في ضوء هذه المواصفات، كما وضعت الجمارك السعودية آلية للتحقق المسبقة قبل الاستيراد من خلال الاعتماد على شهادات المطابقة الصادرة من جهات معتمدة في بلدان التصدير التي تضمن مطابقة السلع للمواصفات القياسية السعودية المعتمدة، في حين يقوم المختصون بالجمارك بسحب عينات من الإرساليات الواردة وإرسالها بأرقام سرية إلى المختبرات الخاصة المرخصة لفحصها وذلك للسلع غير المرفق بها شهادات مطابقة وكذلك فحص عينات عشوائية لما يحمل شهادات مطابقة للتأكد من صحة تلك الشهادات، ويمتد التعاون مع الشركات الاستشارية التي تعمل على حماية العلامات التجارية للشركات التي تمثلها من خلال قيام الجمارك بتوقيع مذكرات تفاهم مع هذه الشركات للاستعانة بها في التأكد من أن الوارد للمملكة أصلي وغير مقلد وعددها حتى الآن (8) شركات استشارية تغطي أكثر من "500" علامة تجارية، وكذلك تدريب المختصين في الجمارك على طرق التفريق بين المقلد والأصلي.
قاعدة بيانات عالمية
ونوه إلى اشتراك الجمارك في قاعدة بيانات (IPM) التابعة لمنظمة الجمارك العالمية، الذي يعد أداة لمكافحة الغش التجاري والتقليد من خلال التواصل الآلي بين القطاع الخاص والجمارك بالدول الأعضاء في منظمة الجمارك العالمية حيث تقوم كل شركة بتقديم معلومات تعريفية عن منتجاتها للمختصين بالجمارك لتمكينهم من التعرف آلياً وبشكل سريع على الأصناف المغشوشة والمقلدة وضبطها بحيث يتيح هذا البرنامج للموظف الإطلاع على الصور والعلامات التجارية للأصناف الأصلية وغير الأصلية لمساعدته على التمييز بينها، مشيرا إلى تعاونهم مع وزارة التجارة من خلال تبادل المعلومات لإحكام الرقابة في المنافذ الجمركية على الحدود وفي الأسواق المحلية.
عقوبة التشهير
وعن التشهير بالتجار المستوردين للسلع الرديئة والمغشوشة، وإدراج المنشآت من بلد المصدر في القوائم الممنوع الاستيراد منها، قال العيسى: إن التشهير عقوبة، ولا يتم إيقاع عقوبة على أي شخصية طبيعية أو اعتبارية إلا بنص وفقاً للقاعدة القانونية "لاجريمة ولاعقوبة إلا بنص"، واللجان الجمركية مقيدة بإيقاع العقوبات الواردة في نظام الجمارك الموحد المطبق في جميع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، المنصوص عليها على سبيل الحصر بالمادة "145" من ذات النظام والتشهير ليس من ضمن تلك العقوبات، أما ما يخص إدراج تلك المنشآت في قوائم المنع، فالجمارك السعودية تطبق نظام إدارة المخاطر لتسريع إجراءات الفسح للمواد والبضائع التي لا تشكل خطورة، والتركيز على البضائع ذات الخطورة المرتفعة وفقاً لمؤشرات الخطر المستنبطة من خلال استقراء السجلات التاريخية في قواعد البيانات الجمركية للإرساليات السابقة والمستورد والمصدر وبلد المنشأ والمخلص الى آخره وبناءً على تلك البيانات أمكن تقييم التعامل مع التجار والمستوردين في مسارات ويتم وضع من ينتج ويصدر ويستورد مواد مغشوشة أو مقلدة في المسار الأحمر بحيث يتم تدقيق التفتيش بنسبة "100%" .
مختبرات خاصة لزيادة الرقابة
وأكد مستشار الجمارك على توجه الجمارك السعودية لدعم وتشجيع المختبرات الخاصة، قائلاً إن الجمارك قد دعمت تلك المختبرات من خلال توقيع مذكرات تفاهم معها وإرسال العينات لها حسب طاقتها، كما أدرجت التوصيات التي تحث على الاستثمار في المختبرات الخاصة في المنتديات التي نظمتها الجمارك وآخرها المنتدى العربي الرابع لمكافحة الغش التجاري وحماية حقوق الملكية الفكرية، منوهاً إلى زيادة أعداد هذه المختبرات من (5) مختبرات إلى (29) مختبراً، واستمرار وزارة التجارة والصناعة بالعمل على اعتماد مختبرات جديدة.

السوق يغرق بالمغشوش من كل الأصناف
منصور الطبيقي
عيسى العيسى
فواز الزهراني
منال الشريف
الغش يطال حتى الأدوية

على الرغم من جهود التجارة في الضبط لا يزال السوق يغرق بقطع غيار السيارات المغشوشة
العقوبات المالية لا تكفي وننتظر التشهير بمروجي المقلد

_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكرك على الإطلاع على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ، ولو إسما مستعارا ; للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو مراعاة أخلاق المسلم ; حتى لا نضطر لحذف التعليق
تقبل أجمل تحية
ملاحظة :
يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..