الصفحات

الثلاثاء، 3 فبراير 2015

الوزير وسمعة الوزارة

 شرعت في كتابة هذا المقال قبل صدور التشكيل الوزاري الجديد، وعندما سمعت كغيري من المواطنين بالتغيير الواسع في مجلس الوزراء الذي أمر به ملك البلاد سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، بدخول وزراء وخروج آخرين، قررت المضي في إكماله لأنه ذو علاقة بالتغيير الوزاري أيضاً وعلى وجه الخصوص بالوزراء الذين يشغلون وزارات لها علاقة مباشرة بالمواطن.
والتغيير الوزاري كان مفاجئاً في حجمه أكثر منه في نوعيته، إذ يقال بأنه أو سع إعادة تشكيل منذ نشأة المملكة، وكثير من الوزراء الجدد شخصيات معروفة سواء على الصعيد الإداري أو صعيد الأعمال. فمن الملاحظ إدخال عدد لا بأس به من الوزراء ذوي الخبرة الإدارية في القطاع الخاص وخاصة في مجالي التعليم والصحة. وفق الله مجلس وزرائنا الجديد لخدمة الوطن والمواطن ولا شك أنهم أهل للثقة ولديهم الكفاءة المطلوبة.
وقد استمر وزراء في مناصبهم لأنهم وزراء من الطراز الرفيع يصعب تعويضهم أو الإتيان بخبرات شابة في مستوى خبرتهم وممارساتهم وأقصد هنا وزراء مثل سمو وزير الخارجية، ومعالي وزير المالية، ومعالي وزير البترول، ومعالي وزير العمل، ووزير آخر فرح معظم المواطنين برؤيته في التشكيل الجديد ألا وهو وزير التجارة معالي الدكتور توفيق الربيعة وهو موضوع هذه المقالة.
تولى وزير التجارة منصب وزارة التجارة وهي ليست أحسن حالاً من الوزارات الأخرى، وكان مجال التجارة مرناً إلى حد كبير جداً في تعامله مع جماهير المواطنين، وكان بعض التجار بممارساتهم يشوّهون قطاع التجارة ذاته، ويعملون ما يحلو لهم أمام مواطن لا حول له ولا قوة، وما لبثت هذه الممارسات أن انتشرت انتشار الحشائش الضارة في أرض خصبة. ولو تساهل تاجر ما بحقوق المواطن، أو غشه، أو باع بضاعة مقلدة وهدده المواطن بالشكوى للتجارة فالتاجر لن يأخذه على محمل الجد وسيجيبه بأن يذهب للشكوى لأي جهة يريد، أخذاً بمقولة «أبشر بطول سلامة يا مربع». وكانت المحال التجارية لا تعير المستهلك أي بال لا من حيث النوعية، ولا السعر، ولا الخدمة والمواطن يضطر للتنازل عن حقه حيث يشعر ألا حول له ولا قوة. وتغير هذا المشهد بعد تولى معالي الدكتور توفيق الربيعة هذا القطاع بمعادلة جديدة أصبح للمواطن فيها قيمته لدى التاجر، وللوزارة هيبتها وسمعتها في القطاع الذي تنظمه، وأصبح التاجر يحسب الحساب للمستهلك وللوزارة.
ولو قارنا اليوم قطاع التجارة بعد تولي الدكتور الربيعة مسؤوليته بقطاعات أخرى فالصورة مختلفة تماماً، فلو هضمت حق المواطن شركة اتصالات، أو مقاول، أو مكتب خدمات، أو مكتب استقدام وهدده بالشكوى للجهات الرسمية فسيجيبه: أعلى ما عندك هاته، فهذه الخدمات ما زالت في مرحلة التجارة قبل تنظيمها. ولو هدده بالتقاضي فلن يتزحزح لأنه يعرف أن التقاضي الشرعي، رغم التحسن الكبير الذي طرأ عليه، إجراء طويل لن يدخل نفسه في دهاليزه، وما زالت المحاكم الشرعية هي الجهة الوحيدة لحل النزاعات الخدمية التي يمكن أن تحلها البلديات أو الحقوق المدنية في مخافر الشرطة. ولو أخطأ طبيب في حق مريض خطاءً طبياً واضحاً وفادحاً وتقدمت للهيئات الطبية بالشكوى فستكون هناك إجراءات حتماً ولكنها طويلة وليست كافية بردع الأخطاء القادمة خاصة في ظل المرونة الكبيرة في الممارسات الطبية الخاصة والتنقل بين التخصصات المختلفة، وكذلك طول الإجراءات وتعدد اللجان. وهناك مفهوم عدلي أساسي يقول: بأن التأخر في العدالة ليس عدالة.
فالذي ميز الربيعة، وجعل الجميع يشيد به ليس الإجراءات التي يتخذها، ففي جميع الوزارات أنظمة وإجراءات مشابهة وربما أكثر من ذلك، ولكن ما يميز الربيعة هو سرعة تنفيذ الإجراءات، وسهولتها، نتيجة للتنظيم الجيد لمرافق الوزارة. وحسب ما تذكره بعض المصادر فقد بادر الوزير الربيعة بتغيير الكوادر الإدارية العليا في وزارته التي تعودت الروتين وإبطاء الإجراءات بكوادر شابة جديدة من جامعات سعودية وعمل على تحفيزها والعمل معها، وحدد لها أهداف واضحة فكان هذا النجاح الكبير.
ومن أهم أسرار نجاح الدكتور الربيعة اعتماده على الخبرات السعودية المحلية، والمملكة تزخر بمثل هذه الخبرات التي تحسدنا عليها دول كثيرة، وقد صرفنا على تأهيلها مبالغ طائلة من مواردنا، ولكن معظمها وللأسف معطل. والوزير الربيعة لم يلجأ لشركات استشارية خارجية، ولا خبرات دولية كما فعل بعض أقرانه لحل مشكلاتنا المحلية، لأنه تولى مهام دراسة وزارته بنفسه وسبق أقرانه في معرفة أن أهل مكة أدرى بشعابها، واللجوء لما يسمى بالخبرات الأجنبية، أو الشركات الاستشارية لا شك عمل ييسر عمل الوزير ويريح من كثير من صداع وزارته، ولكنه لا يأتي بالنتائج المطلوبة لأنها غالباً تأتي بحلول جاهزة تطبق في مجتمعات مختلفة، كما أنها باهضة الثمن وتثقل كاهل الوزارة بمصاريف ضخمة إضافية وتهدر موارد كان يمكن توجيهها والاستفادة منها في أوجه تطوير أخرى.
وما تفعله هذه الشركات العالمية، يشبه ما تقوم به بعض شركات المقاولات العالمية وهو إما التعاقد مع خبرات عربية أقل تأهيلاً من الخبرات الوطنية على اعتبار أنها تعرف اللغة والتقاليد، أو التعاقد من الباطن مع خبرات محلية دونما دراية كافية بقدراتها. والحقيقة أن من يطّلع على بعض ما يسمى بالدراسات العالمية للقضايا المحلية سيدهش لملاحظة نوعيتها وأحياناً سطحيتها. فهناك فرق بين من يعمل بدافع الربح ومن يعمل بدافع وطني، ولا مقارنة بين الاثنين. علماً بأن حضور مثل هذه الكوادر الأجنبية يكون عادة محبطاً بشكل كبير للخبرات الوطنية. والفرق بين الفئتين هو الإدارة العليا في الجهاز لا أكثر.
وهنا نعود لعنوان المقال ونحتكم لمعيار عملي لا يحتاج لعلم صواريخ كما يقال، وهو كيف نعرف أو نحكم على أداء الوزير؟ والجواب هو في سمعة وزارته. ولو نظرنا لحال بعض الخدمات المقدمة للمواطنين في بعض المجالات من حيث البطء، أو نجاعة الخدمات، أو انعدام الشفافية لوجدناها تنعكس على سمعة الوزارة. ومع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي فإن الراصد يستطيع أن يستشف ذلك بسهولة. بينما الوزارات التي بقيت لصيقة بحقوق المواطن وحاجاته حققت سمعة كبيرة. وقد نجحت وزارة التجارة اليوم في تحقيق إنجاز كبير أتى بالانضباط الذاتي في الأسواق لأنها اتخذت إجراءات سريعة وحاسمة باقتلاع الحشائش الضارة في مجال تخصصها، وفي ضبط بعض المخالفات وضمان حقوق المواطنين. ويكفى للمواطن أن يقول لتاجر أو محل تجارى، أو وكالة سيارات بأنه سيلجأ لوزارة التجارة ليسارع المحل للوصول إلى حل معه لقضيته. وهناك يحقق النظام والقانون أهم مهامه وهو الردع، فالقوانين لا تشرع للعقوبة فقط بل لردع المخالف لها من الإقدام على المخالفة، ومع المخالفة قبل حدوثها.
ويبقى العامل المهم الآخر وهو سهولة ويسر الإجراءات، وسهولة التواصل مع الجهة المسئولة، وسرعة الاستجابة للمواطن. فكثير من الوزارات والمصالح وضعت على موقعها أرقام تلفونية، أو عناوين إليكترونية للتواصل معها، ولكنها لا تستجيب لها وإن استجابت بعد وقت طويل تكون الاستجابة محبطة بشكل كبير، ولا اريد أن أحدد جهة بالاسم لأنها معروفة لكثير من المواطنين. ولكننا اليوم أمام تشكيل وزاري جديد في معظمه، وكثير منهم كفاءات سعودية متميزة، أعانهم الله على بناء سمعة وزاراتهم وأجهزتهم الإدارية على نحو مماثل أو مشابه لما فعله الربيعة، وأنا كلي ثقة بأنهم سيجدون أن الوطن متخم بالكفاءات الشابة التي تتحين الفرصة فقط لخدمة وطنها. وفي الختام نتمنى للجميع التوفيق والسداد.
الثلاثاء 03 فبراير 2015
د. محمد بن عبدالله آل عبد اللطيف
أمل الحضور وألم الفقدزوال إسرائيل!!«أنا لست تشارلي!»العادات والعباداتالتيسير النفطياللغة وأصالة الوعي«وِزاري أم وَزاري؟»9192latifmohammed@hotmail.comTwitter @drmalabdullatif- أستاذ في جامعة الملك سعود1959.jpg
د. محمد بن عبدالله آل عبد اللطيف

_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكرك على الإطلاع على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ، ولو إسما مستعارا ; للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو مراعاة أخلاق المسلم ; حتى لا نضطر لحذف التعليق
تقبل أجمل تحية
ملاحظة :
يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..